الرحلات المتتالية إلى الفضاء صارت أخباراً اعتيادية، واكتشاف المجرّات والكواكب والعوالم الأخرى والصناعات والابتكارات والاختراعات والاكتشافات المتتابعة والقفز من الفضاء من على بعد آلاف الأميال بواسطة كبسولة صغيرة، أشياء صارت أقلّ من اعتيادية، والقادم الآتي سيكون..
.. أعجب وأدهش وقد لا يصدقه العقل، لأنه سيتعدّى حدود استيعابه، لكن البعض منا ورغم ذلك ما يزال شغله الشاغل وهمه الدائم وتفكيره كله دقه وجله، كيف يلبس الشاب؟ وكيف يسرح شعره؟ وكيف يتكلم وكيف يمشي؟ هذا إذا لم يتمادَ التعالي والتعالم إلى كيف يكتب؟ وكيف يقرأ؟ ولماذا يتنفس بهذه الطريقة لا بتلك؟ كما أنّ المرأة موضوع آخر جاهز، كيف تلبس؟ وكيف تخرج؟ وكيف تعمل؟ وربما كيف تأكل؟ وكيف تشرب؟ وكيف تتنفس؟ وكيف تنام؟، بعيداً عن التكلُّم ولو ببنت شفة في حقوقها المادية والمعنوية والقضائية والتعليمة والحياتية، ولا كيف نجنبها التعنيف الذي يمارسه عليها الرجال من كل صنف ونوع، ولا عن التهميش الكبير الذي يراد لها دون وجه حق، ولا عن محاولة تقزيمها كفرد حي نابض بالحياة والعطاء، ولا عن محاولة إسقاطها كعنصر بشري لها تطلّعاتها وآمالها العراض، ولا عن محاولة اعتبارها مجرّد جسد لتفريغ الشحنات الزائدة، أو مجرّد أداة تعمل كيفما يريد صاحبها ويبتغي، وعن التغاضي عن اعتبارها شقيقة للرجل لها ما له وعليها ما علية شرعاً وقانوناً وعرفاً وإنسانية، إنّ من حق أحدنا أن يدعو الناس لما يراه خيراً وأصلح «لدنياهم» و»آخرتهم» لكن ليس من حقه ولا هو قادر أصلاً على إيقاف الحياة عند الحد الذي يختاره، والحماسات اللفظية المكرورة المستهلكة لا ينفع عرضها كلَّ زمان كما هي من غير تغيير، لابد من تجديد العبارة ومن تجديد المحتوى، الألفاظ بنات زمانها والدلالات مثلما تتطلّب سياقات، تتطلّب حضارة ومضامين جديدة، مطلوب من الواعظ الناصح أن يحيط بتصوّرهم ونسق قيمهم كما يلم بتصوّراته وبقيمه هو أيضاً إلمام ثقافي كاف لكي يتمكن من موضوعه وليكون مقنعاً ومرشداً، هو ليس جهة سلطوية أو أمنية أو عقابية، هو محاور ثقافي وتربوي ليس إلاّ، إن المطلوب هي ثقافة جديدة ووعي للحياة جديد وفهم للنصوص يتناسب والمدارس الفكرية المعاصرة، حتى يعدل فيها ويقدم من جانبه آفاقاً بديلة وردوداً، لن ينفع الميكرفون واعظاً يلحن ويتعثّر في قراءة الآيات ويضطرب متلعثماً أمام عظمة إيحائها ومديات معناها، ويأتي باسم الدين بما هو غير منطقي ولا معقول ولا يستوعب، للميكرفون حماس وللحماسات دور سلبي، إنني دائماً أصغي لمحاضرات «علماء» دين إجلاء كرام لمحاضراتهم قيم جمالية راقية عذبة أحتاج لها لاستكمال ثقافتي في اللغة والفكر والتاريخ، لكنني في الوقت نفسه أشعر بالأسف لمستوى - بعض - الخطباء واوعّاظ، إنهم وبسبب من الحماسة المفرطة يهبطون بالنص المقدّس من عليائه، بسبب ذلك القصور الفهمي والذهني واللفظي، إنّ كمّ الخرافات التي يهيلونها في أسماع الناس والشواهد التي بلا سند والقصص المركبة والحكايا والحوادث المبتكرة، وتلك التي لا يرتضيها ولا يستوعبها أو يقبلها عقل ولا منطق يصيبني بالأذى ويلبسني الأسى، إنّ الثقافة الدينية ثقافة عليا وحديقة غنّاء، وهي حقل تخصص والكشوفات في البحوث والاستقصاء تتوالى فتزيدها غنى وأهمية، وإذا سحبنا الدين من ثقافة العصر فسنواجه خسارة فكرية لا أحد يريدها أو يتمناها، لذا أرى شرطاً من يتولى الحديث في الثقافة الدينية وتفاصيلها أن يكون مثقفاً بمصادرها وأصولها وما جاء من دراسات جديدة فيها لكي يحسن قول كلمته أو حكمته، وليهتم بما هو أكبر وأسمى وهذا هو مرادي الأول من الكلام! نعم، لبعض الوعاظ آفاق جديدة، فهم يُلمّون ببعض المدارس الفكرية الحديثة والفلسفات التي تتماشى والثوابت الدينية ولا تخرج عنها، ويتابعون الجديد في الأفكار والرؤى والأطروحات، ويفرحني أن بعضهم صار يتحدث في العلوم والاقتصاد والسياسة الدولية بشيء من الفقه والفهم والمعرفة والحكمة والإدراك والنظرة الصائبة والحصيفة، لكن البعض لا يزال مشغولاً جداً بـ»المرأة» أكثر من الحد اللازم والمعقول والمتفق عليه، وبالشباب أكثر مما يحتاج الموقف والفعل وسن الطيش والمراهقة، باختصار: يحتاج الوعّاظ إلى تجديد مناهجهم الفكرية وإلى إغنائها وإلى إعداد أنفسهم وفق ثقافة فكرية عامة وثقافة دينية تلتزم الثوابت الأصلية، وأن يكون الواعظ واعظاً حقيقياً حين يتحدث بعيداً عن ازدواجية المعايير والتناقضات.
ramadanalanezi@hotmail.comramadanjready @