وحتى أفوِّت على المتصيدين صيدهم، وأحرم المتقصدين قصدهم، فإني لم أتكلم على الطبخ وما يطبخون، أو يطبخن..! انطلاقاً من وجود ثلاثين سيدة محترمة في مجلس الشورى في التشكيل الجديد، لأن الطبخ وما يأكلون في زمننا هذا، ليس صنعة حصرية على بنات حواء، بدليل أن أشهر وأمهر الطباخين في العالم هم من الرجال..
.. وكثرة كثيرة من أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا في المملكة تحديداً، يأكلن من طبيخ السوق مما هو صنعة رجالية، أو مما تطبخ الخادمات في الدور، فهن ربما لا يدخلن مطابخ بيوتهن، ولا يعرفن ما فيها، وربما نسي البعض منهن طرق الطبخ اللائي تعلمنها من جداتهن، ولا يتذكرن أكلاتنا البيتية المعهودة، وبناءً عليه، وحتى لو كان من عضوات الشورى من تعرف الطبخ، فإن من أعضاء الشورى من يبز عضواته معرفة بالطبخ وطريقة الطبخ، وهذا ليس عيباً، فأنا أجيد طبخات خاصة، لا أطلع عليها أحداً من قريب أو بعيد، حفاظاً على سر المهنة..!
) وعلى كل حال، فما الطبخ المأكول هو قصدي، وإنما ما يخرج من مطبخ مجلس الشورى الموقر، من قرارات، واقتراحات، ودراسات، وإشارات، ونحو ذلك.. مما يدخل في اختصاص الشوريين والشوريات، ومما هو مؤمل منهم ومنهن، لدعم توجه السياسة العامة للدولة، الساعي إلى التغيير والتطوير والتحديث، ومواكبة العصر فيما هو مفيد ونافع، وإيجاد الخدمة الأفضل لكافة المواطنين، وتوفير العيش الأوفر الكريم لكل الأسر، من خلال تعديل وتحديث الأنظمة التي أكل الدهر عليها وشرب، وسن ما هو مطلوب ومرغوب من تنظيمات، ومعالجة ظواهر شاذة في الحياة العامة، اجتماعية وعملية وغيرها، والبحث في إيجاد حلول لقضايا طارئة وملحة في المجتمع، وإشراك المجتمع بكافة أطيافه الشرعية والعلمية والفكرية في هذه المعالجات والمباحثات بشكل دائم، ومتابعة وملاحقة المسئولين في الدولة كباراً وصغاراً، بالمساءلة، والمكاشفة، والمحاسبة، واستقصاد الفساد أينما كان ومتى وجد؛ بحرب ضروس لا هوادة فيها، ولا ينتصر في هذه المعركة الشرسة بطبيعة الحال؛ إلا من يملك الحجة والبرهان والسلطة، ومجلس الشورى يملك السلطة، وقادر على توفير الحجج والبراهين، ليدمغ بها رؤوس المفسدين، فإذا الفساد هباءً منثوراً.
) لا شك عندي؛ أن كثيراً من أعضاء مجلس الشورى من الرجال قبل أن يلحق بهم وفد النساء الشوريات مؤخراً، كان على درجة لا بأس بها من إجادة طبخ الكثير من القرارات التي صدرت، وكان لها أثرها في حياة الناس العامة، والناس ينظرون إلى مجلس الشورى على أنه قبة رأيهم الذي يرغبون في أن يصل إلى أعلى سلطة تنفيذية، ويعتبرون أعضاء وعضوات الشورى، نواباً وممثلين لهم، وناطقين بألسنتهم، ويتولون عنهم إيضاح الصور، وإجلاء الرؤى، في مسائل كثيرة شائكة، تنتظر آراء حكيمة، وقرارات حاسمة، ومواقف حازمة، تحفظ لمجلس الشورى ومن فيه، حق الريادة، وناصية القيادة، من خلال مساهماته البناءة، في التحديث، والتجديد، والتصحيح، وهو ما يريده خادم الحرمين الشريفين حفظه الله منه، وما ترغب فيه الدولة منذ تأسيس المجلس، وما يتطلع إليه مواطنو هذا البلد الكريم.
) ومما أعتقد أنه طبخات شهية يُنتظر خروجها من مطبخ الشورى في مرحلته الجديدة- وهذا على سبيل المثال لا الحصر: بدل السكن للموظفين الحكوميين، وهو حق لهم مثلما هو حق يتمتع به زملاؤهم في القطاع الخاص، ثم التصاعد الجائر لرسوم ساهر، وتأشيرات العمالة على عمومها، وما شابها مؤخراً بسبب رسم (2400 ريال).
) الناس على العموم؛ يتحدثون عن قرارات شورية قادمة منتظرة، تعالج ساعات العمل لموظفي الدولة وموظفي القطاع الخاص، حيث تقل عدداً وعطاءً عند الحكوميين، وترتفع عدداً- أحياناً- عند غيرهم. وقرارات تعالج مشكلة أبناء السعوديات من أب غير سعودي، وتُشرِّح قضية التجنيس، فكم من طالب جنسية، يستحقها لاعتبارات كثيرة، وتحتاجه البلد لخبراته وعطاءاته، وكم من متجنس؛ ليس جديراً بالجنسية، ولا يضيف شيئاً للبلد. وكذلك مسألة الإجازة الأسبوعية، التي طال الخوض فيها، فنتحول من إجازة الخميس والجمعة، إلى إجازة الجمعة والسبت.
) الناس ينتظرون كذلك من مجلس الشورى، حلولاً عاجلة لمسألة زواج السعودي والسعودية من الغير، وما يشوب هذا من تعقيدات نظامية لا حصر لها، وأن يُحل مشكل العلاقة بين المؤجر والمستأجر في سوق العقار، سواء كان للسكن أو الاستثمار، فهناك جور مفتعل من بعض المؤجرين، وهناك حقوق تضيع عند مستأجرين. وينتظرون نظاماً مرورياً جديداً حازماً، يوقف الاستهتار، ويحمي أرواح الناس وأموالهم، ويثبت رسوم ساهر عند حد منطقي معقول، حتى لا يتحول ساهر، من أداة ضبط حركي، إلى أداة جباية ونفع. ثم أن يتناول المجلس قضايا المرأة في المجتمع من كافة جوانبها، ومن ذلك التوسع في عملها، وقيادتها للسيارة، وحريتها في الحركة، وتعاملاتها التجارية والبنكية.
) هناك طبخة شورية دسمة وفي غاية الأهمية، سوف نأكل منها ما حيينا، وتأكل منها أجيالنا من بعدنا إلى أن يبعث الله الأرض ومن عليها..هذا إذا أجادها المجلس، وخرج بها إلينا، فيكون قد حقق بذلك الريادة المطلوبة منه.. الطبخة هي: (الصندوق السيادي للدولة).
) المملكة- بحمد الله- تتوفر اليوم على فوائض تصل إلى (700 مليار دولار)، وهي ما زاد عن احتياجات الصرف المحلية، فلو تم استثمار هذه الفوائض في (صندوق سيادي قومي)؛ لتمكنا من العيش في رغد من الريع السنوي فقط، دون الاعتماد على النفط.
) السنوات يا سادة؛ تتقلب، فهي إما سمان أو عجاف، وهي لن تكون سماناً بشكل مطلق، والأفضل لنا أن نستعد للعجاف منها بهذا الاستثمار الذي تسير عليه دول عدة في العالم، والكويت مثال على ذلك من قريب، فالنفط الذي نعتمد عليه اليوم، غير باق إلى الأبد، وأسعاره الحالية لن تستقر، واستهلاكنا المحلي منه في ازدياد، وحاجتنا للمال ترتفع عاماً بعد عام.
) إخواننا وأخواتنا في الشورى: بالله عليكم.. اطبخوا لنا (صندوق سيادي قومي)، بنكهة السليق، والكبسة، والجريش، والمريسة..! هذا يكفينا منكم في هذه الفترة.
H.salmi@al-jazirah.com.saalsalmih@ymail.com