لا تكاد تمرُّ إجازة إلا وتقرأ أو تسمع من يندب الحظَّ على مئات الألوف من السائحين الذين يغادرون البلاد إلى دبي أو الدوحة أو الكويت، لقضاء إجازة لا تتجاوز أحيانًا بضعةَ أيامٍ، ثمَّ حين تسأله عن سبب غضبته، يتحوَّل إلى محلِّل اقتصادي يتوجّد على الأموالِ التي يخسرها الاقتصاد، وكان يمكن أن تستفيدَ منها البلاد والعباد..
بالرغم من أن هذا الطَّرح منطقيٌّ من زاوية خسارة السُّوق المحليِّ لحصة، لو توافرت لها الظروف لفضّلت البقاء والاستمتاع والمشاركة في برامج السياحة الداخليَّة.. إلاّ أنّه يتناقض مع الخطابِ الخليجيِّ اليوم حول السُّوق المشتركة والاتحاد الجمركي والتكامل الاقتصادي!
ألم يحنْ الوقتُ لنكفّ عن ثقافة الاكتفاء وجَلَد الذاتِ، وننظر إلى حلولٍ أكثر واقعيةً وإقناعًا للمواطن الخليجي، استنادًا إلى المنطقِ العقليِّ والاقتصاديِّ الرشيدِ.. دبي والدوحة والبحرين والكويت، وغيرها من دول الخليج ومدنه صغيرة الحجم محدودة التنوّع، لا يعدو تطوّرها أن يكون استنساخًا لبعضها بعْضًا ولن تتجاوزَ جاذبيتها الأسواق والمجمَّعات التجاريَّة الكبيرة.. أما المملكة العربيَّة السعوديَّة فتملك تنوّع الجغرافيا وعمق التاريخ الذي يجعل أكثر من منطقة في المملكة فرصة لاستنبات دبي أخرى بمعايير مختلفة، فمدينة أبها على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن تكون مدينة منتجعات فارهة تستقطب السعوديين والخليجيين إليها، غير أنّها بحاجةٍ إلى كسر قيود كثيرة أهمها الإرادة في تحقيق الهدف.. فليأتِ إلينا الإماراتيون والقطريون والبحرينيون وجميع أهلنا في الخليج ليجوبوا مدننا الزاخرة بالتنوّع، بالإضافة إلى مواطنينا الذين لن يجدوا في مدن الجنوب الساحرة ومدن الشمال الرائعة، لو هيأت نفسها لذلك، ما يمكن تعويضه في أيِّ مدينةٍ سياحيَّةٍ مجاورةٍ. وليذهب السعوديون إلى مدن الخليج دون عقدةٍ ذنبٍ ولومٍ واستهجانٍ!
أتساءل كم أوراقًا حبّرناها ودموعًا ذرفناها ولومًا طفح به الكيلُ حول السياحة الداخليَّة وجراحها، أليس من الحكمة أن نرفع رؤوسنا لنقرأ ملامح الطَّريق ونستكشف منعطفاته، بعيدًا عن لغة العاطفة ومشاعر التجييش التي تضرُّ أكثر مما تنفع.. أعتقد أن دولَ مجلس التعاون اليوم بحاجة إلى هيئة خليجيَّة موحّدة للسياحة، تعيد ترتيب الوعي والتخطيط والعمل، وتستنبت في وعينا المشترك لغة خطاب أخرى وترسم خريطة سياحيَّة جديدة تظهر فيها كل مدينة بتنوّعها وخصوصيتها..
عبر تويتر: fahadalajlan@