* آمنّا زمنًا أن “الأسلوب هو الإنسان”؛ فما نكتبه صورةٌ لذواتنا الظاهرةِ والمضمرة، وكثيرًا ما نوفق في قراءة الشخوص عبر كلماتهم من حيث قيمتُها الثقافيةُ والإبداعيةُ، وقد نخطئُ دون ريب؛ إذ لا ينجح بعضُنا في التعبير عن أنفسهم كما هم حين تنوب عنهم مصالحُهم حينًا ومطالبُ الجو العام حينًا والرغبةُ في النجومية حينًا ثالثًا وسواها في مماثلاتٍ مقاربة.
* الشكل لا ينفصل عن المضمون، وإذا كان قدرنا تماهيَ الرؤى واختلاط الرائين والمترائين في زمن صار كتبتُه أكثر من قارئيه فمن سيخلدون ليُدرسوا في أدبيات الأزمنة القادمة رقمٌ صغيرٌ، وهم من أسهم تكوينُهم في تلوينهم وتجاوزوا إملاءاتِ الوقت وإيماءات القوت بما فصلهم عن الواقع ولم يحجبهم عن الوقائع، وعاشوا ولو لم يتعايشوا، وأشرقت عليهم الشمس في”غيابة الجب” الرسمي والاجتماعي.
* ربما أضاء ما سبق حوارًا ممتدًا بين المعنيين بقراءة الأسلوب رصيفًا للمحتوى، ووعيِ المحتوى محتفيًا بالأسلوب، وهو ما طرحه صديقٌ أكاديميٌ رأى المنحى “الوظيفيّ” ذا سطوةٍ على الوضاءة “الإبداعية الإمتاعية” وخشي استغراقَ الوراقين فيه وتأثيره على صناعة الكلمة بوجهيها “المظهري والمخبري”.
* انطلق باحثنا الأستاذ خالد الرفاعي مع زملاءَ له من قراءةٍ خاصةٍ لكتابات صاحبكم غير أنها ذاتُ مدلولاتٍ عامةٍ، ولعل دارسي”الأسلوبية” أو ما تمكن تسميته: “البلاغة الجديدة” معنيون بظاهرة التراجع الأسلوبي المخيف وسط اعتزال أو انعزال النخب المتميزة المؤثرة وملءِ فراغاتها بجاهزية الكتبة والكتابة القادرة على التسويق للمطبوعة بإثارةٍ قد تتغلف بثأرٍ لتحقيق مآثر تضمن التصفيق وقد تتوج بالتصديق.
* لم يكن بعيدًا زمنٌ مرّ به الكثيرون حين ساد الانتقاء الصعب لذوي المساحات قبل أن تفتح الساحات، وبات غريبًا اليوم أن تجد مفكرًا ذا بالٍ قادرًا على الاحتفاظ بتوازنه واتزانه خلال الطرح اللاهث في الفضاءات العامة، وربما وجد مكانه الأنسب في الفضاءات المتخصصة والمجلات المُحكّمة، وهي ضيقةٌ دون ريب.
* هل تبدو هذه اعتذاريةً عن “الترجُّح” بين المستويين الكتابيين “الوظيفي والإبداعي”؟ ربما هي كذلك، لكنها فوق ذلك محاولةٌ استعادة لغة واستعارةِ موقفٍ لايبرر تراجعًا بل يأمل مراجعة، وربما صح اقتراحُ دراسة توقف النمو الكتابي متزامنًا مع توقف النمو القرائي الذي كان يتطلب من ذي زاويةٍ محدودةٍ العودة? لتآليف ممدودة، وتنجيم? تحبيرها في بضع جلسات، وكذا يلد كل زمنٍ رحلته ومرحليته.
* هل كنا أفضل? أم ما نحن فيه الآن؟ المقام لا يحتمل مقارنةً؛ فربما جاد الحاضرُ بما لم يجُد به الماضي، وربما دُفنت دراسة المعاني مع تغييب البيان، ولن يكون بعيدًا أن تنتهي موجة الكتابات العائمة شبه العامية حين يولد جيلٌ لا يتعلمُ على طريقة “التقويم المستمر” وتقدير “ممتاز” ونتائج “لم يُكمل أحد”.
* يبقى ما يعنيه من الحكاية وهي أنه سيدعُ مكانه قبل أن يتلوث بالتدني “الشكلي” و”المنهجي” و”الأخلاقي” الذي قد يقود الركب والمركب نحو الأدنى، وهو وعدٌ وموعد.
* الشكل نهجٌ ومنهج.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon