ومعنى الونى: الضعف والفتور. ومعنى طرف: جانب.
أي إنّ الضّعف والفتور، وترك الجد، وتفويت الفرص جانب من جوانب الفساد التي تضيع بها الأمور. وهذا مثل عربي يُستعمل في الحث على الجد والاجتهاد، والذي يلاحظ في حياة الناس أنّ كل إنسان عنده أدنى مُسْكة من عقل يتمنى لنفسه الخير سواء في أمر دينه، أو دنياه، فتراه يتمنى أن يرتقي بعلمه، وعمله، وصحته، وماله، ونحو ذلك من مصالحه، غير أنّ هناك آفة تعتري أكثر الناس، وهم فيها ما بين مستكثر مسترسل معها، ومستقل مُقْصِرٌ عن التمادي فيها. تلكم هي آفة التواني، والتسويف والتأجيل.
فهذه الآفة لا يكاد يسلم منها إلاّ من سلَّمه الله من أصحاب الهمم العلية، والنفوس الأبية، والإرادات القوية.
فكم من الناس من يبقى على معصيته مُسَوِّفَاً بالتوبة، وكم من الناس من يؤجل أعماله اليومية إلى غد بغير مسوغّ ولا مقتضي، وكم من الناس من تتصرم أيام عمره، وهو يسوِّف ويؤجل في اغتنامها بما ينفع، وكم من الناس من يقول: إذا تزوّجت، أو تخرّجت من الجامعة، أو انتقل عملي إلى بلدي، أو إذا واتتني الظروف - سأعمل كذا وكذا، وسأبدأ بالمشروع الفلاني علمياً كان أو تجارياً، أو غير ذلك، وكم من الناس من يقول: سأتبع برنامجاً أمارس من خلاله رياضة، أو أتعلم لغة أخرى، أو نحو ذلك دون أن يبدأ بداية حقيقية، وإنما هي أحلام تمر في خياله مرور الطيف.
وهكذا تضيع الفرص من بين يديه دون أن يغتنمها، فيخسر، ويندم في مستقبل أيامه أشدَّ الندم.
كم فرصة ذهبت فعادت غُصَّةً
تشجي بطول تلهفٍ وتندم
ولعل من أعظم أسباب ذلك صعوبةَ البداية في العمل؛ فإذا ما شرع الإنسان فإنه سيصل إلى مبتغاه - بإذن الله - وسيكسر الحواجز والسدود التي تقف أمامه. أما إذا صارت تلك الرغبات مجرّد أماني لا أقلَّ ولا أكثر فلن يصدر عنه أي خير لنفسه أو غيره، وصدق أبو تمام إذ يقول:
من كان مرعى عزمه وهمومه
روضَ الأماني لم يزل مهزولا
وكان أبو الطيب المتنبي يعجب كثيراً بهذا البيت.
قال بعض الحكماء: «التسويفُ لمن يعلم أنّ المنية تأتيه بغتة - غرورٌ».
فالتسويف والتأجيل داء عضال، وهو ناتج عن ضعف الإرادة، ودنوّ الهمّة، والتراخي مع النفس، وصحبة الكسالى والمسوّفين، والأمن من مكر الله، وطول الأمل. ولهذا الأمر آثارٌ وخيمةٌ في الدنيا وفي الآخرة، فهو سبب للحسرة والندامة، والحرمان من الأجر والثواب، وهو سبب لتراكم الذنوب، وصعوبة التوبة، وتراكم الأعمال، وصعوبة الأداء.
فانهض إذ ما لمحت الخير في عملٍ
وخلِّ (سوف) لعزمٍ خاملٍ واهي
وصدق ابن فارس - رحمه الله - إذ يقول-:
إذا كان يؤذيك حَرَّ المصيف
ويُبسُ الخريفِ وبردُ الشتا
ويلهيك حسن زمان الربيع
فأخذُك للعلم قُل لي متى
- جامعة القصيم