يعيش العالم تحت ظل ثلاث قواعد أساسية، السياسة والاجتماع والاقتصاد، والسياسة لا يمكنها أن تكون بمنأى عن صاحبتيها، إن لم تكن العائل الأكبر، لأنها هي التي تجسد الإرادة الدافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، أو تكون عائقاً ومثبطاً عن سيرها في الطريق القويم، أو حتى جعلها تسير في الطريق المضاد، وهذا حدث ويحدث وسيحدث عبر العصور والأزمان.
وحديثنا في هذه العجالة يدندن حول التنمية الاجتماعية والاقتصادية تزامناً مع انعقاد مؤتمر القمة العربي حول هاتين القاعدتين الهامتين، والاجتماع بمفهومه المباشر سواء في المعتقد أو التعليم أو الأبحاث أو غيرها من المناحي المرتبطة بالمجتمع.
المجتمع العربي مجتمع عريق يتمتع بجملة من التقاليد والمبادئ الإنسانية والعملية الرائعة المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف، وقيم موروثة جاء رسول الهدى ليتمم بها مكارم الأخلاق.
وليس مهماً أن تكون لديك قيم تتحلَّى بذكرها، لكن من المهم أن تطبّقها بمعناها وليس بلفظها، لأن هناك من يقنع نفسه بتطبيق بعض منها لكنه يبحث عن مبررات لإمالتها لما تشتهيه نفسه، أو يقضي به شأوه، فيرى نفسه متزيناً بها غير أنه منها بعيد، مغمضاً عينه عن حقيقة بعده عنها، ومن ذلك مثلاً الإخلاص في العمل، وعدم ظلم الآخرين، وتحرّى الصالح العام، والإيثار على النفس، وحب الغير، وما إلى ذلك من القيم التي نحن في حاجة إلى التمسك بها والعمل بمعناها متجردين من الهوى.
إن المجتمع العربي بأطيافه المختلفة وتنوّع أعراقه ومذاهبه قادر على أن يكون مجتمعاً أكثر عطاءً ومشاركة للعالم في هذا التقدّم الهائل في مجال الإدارة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، غير أن بعضاً من فئات شعوبه غير راغبة في ذلك عن غير قصد، لكن حب الذات، وعدم المبالاة قد يكونان ركيزة لضياع الكثير من الفرص على مجتمعنا العربي.
إن المجتمع العربي في حاجة ماسة إلى قادة اجتماعيين أكثر فهماً لحاجتنا الاجتماعية إلى ذلك، وربما أن المجتمع في حاجة لأولئك القادة أكثر من بعض الساسة في مناح أخرى، لأن هؤلاء القادة إن وفقوا في النهوض بالمجتمعات من المفهوم السائد للإنتاج والعطاء والإدارة إلى أساليب جديدة وحديثة وإجبار الناس على تبنيها في بادئ الأمر حتى تكون عادة مكتسبة فإنهم سيكونون منارة تغيير كبير في المجتمع العربي الذي ما زال تائهاً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ويبحث عن سبيل إلى التغيير السياسي، والذي لم يعط أكله في وقتنا الحاضر، وسوف تحكم الأيام القادمة على مدى وقع ذلك التغيير بالأنماط الاجتماعية والاقتصادية إلى ما هو أفضل.
والاقتصاد في عالمنا العربي، أمره غريب وعجيب، فعلى الرغم من الإمكانات المتاحة، والقوى العاملة الكافية، إلاّ أن مقدار كفاءتها وقدرتها ما زالت بعيدة عمّا يحدث في العالم المتحضر، وربما يكون مرد ذلك إلى تزاوج واختلاط بين مؤشرات سياسية واقتصادية وإدارية جعلت ذلك الإنسان العربي أقل كفاءة وعطاءً من غيره.
الاقتصاد هو المنتهى الذي تصبو إليه السياسة بمفاهيمها المختلفة من أمن واستقرار، وغيرها، وكذلك ما يطمح إليه علم الاجتماع بمفهومه القيمي والإداري.
ولهذا فإن توفر البيئة السياسية والاجتماعية المناسبة لا بد أن يسفر عن اقتصاد مزدهر يعود بالرخاء على الشعوب التي تتبنى تلك القواعد الجميلة.
إن الاقتصاد هو النهاية، وهو البداية أيضاً لأن الشعوب إذا لم تحصل على اقتصاد مزدهر سوف تنادي بتغيير سياسي واجتماعي، ولهذا فهو النهاية والبداية وسيظل كذلك حتى تنسجم السياسة مع الاجتماع، حتى يكون هناك اقتصاد وإلا فلا.