يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المواطنة وحب الوطن كيف لا والمواطنة أصبحت من أهم المتطلبات الحضارية، ولكن يا ترى كيف نجسد مبدأ المواطنة لتصبح حقيقة ماثلة بين أعيننا.. إن للمواطنة صورا شتى لا نستطيع بضيق هذا المكان والزمان أن نأتي على ذكرها جميعا، ولكن من صور المواطنة على سبيل المثال لا الحصر أن ينمّى عند الشخص حب الوطن حبا يتمثل في الذود عن حياضه مهما كانت تكلفة هذه الحماية فترخص النفوس وتهون الأموال من أجل الوطن، إن المواطنة ليست كلاما يقال باللسان فحسب بل مبدأ أساسي من أجل نجاح الأمم.. فالمواطنة قبل أن تكون أخذا هي بالدرجة الأولى عطاء وتضحية، واقرؤوا معي إن شئتم قول من ذاد عن وطنه فدونكم المواطنة بأسمى صورها عند هذا القائل حين قال:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ظنوا علي كرام
إذا كان هذا الشاعر ذهب ليمجد وطنه وقد تكون جائرة عليه فما بالكم إذا كان الوطن وطنا معطاءً لم يبخل علينا فأخرج لنا كنوزه ومواهبه المنظورة وغير المنظورة.. إن وطننا يحتاج منا وقفة مواطنة حقه تتمثل في الإخلاص من أجله. إن من يتنكر لوطنه لا سمح الله يقع فيه قول الشاعر:
من يظلم الأوطان وينس حقها
تأتيه فنون الحادثات بأظلم
إن حب الوطن كما يقال في الأثر (حب الوطن من الإيمان)كيف لا وطننا الذي نعيش فيه اليوم دغدغت نسماته وجناتنا، وخيراته فاضت علينا، وظل دوحه أظلنا، إن ذلك الشاعر الذي ترعرع حب الوطن في سويداء قلبه حين قال:
وطني لوشُغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
هو ما يجب أن نستأنس به اليوم ونحن نرى أن البعض لا يعطي المواطنة حقها، وإن الذي يقول أنا وبعدي الطوفان هو يحذلق ويجدف في المواطنة!! إن دولاب التنمية لن يعطي عطاءه إلا إذا دفعته روح المواطنة والانتماء للوطن.. إن ولاة أمرنا حفظهم الله لا يرددون قائمين قاعدين: إن المواطنة من مسلمات أي تنمية حضارية لها نتاج مادي ومعنوي، وقد صدقوا في ذلك كيف لا وقد قال حكيم اليونان في الوطن: (وُلد الإنسان لوطنه لا لنفسه) ويقول الآخر: (لا أسف لدي إلا أني لا أملك إلا حياة واحدة أهبها لوطني بعد الله) إن المواطنة من كل هذه المنطلقات عمل لا كلام.. وخلاصة القول يجب أن تكون الوطنية آتية بالدرجة الأولى قبل النفس.. فالمواطنة كما هي المحافظة على أرض الآباء فهي أيضا تعني المحافظة على الوطن من أجل الأبناء والأجيال المقبلة. كم يسرني ويسر غيري بالتأكيد أن ولاة أمرنا يلهجون دائما بالدعاء الخالص لهذا الوطن ليكون شامخا وشامة خير في هذا النسق الدولي الرحب.. أسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا ووطننا ومواطنينا من حسد الحاسدين وكيد الكائدين.