تذكرني ثلوجُ الشتاء بالصمت..,
جميلان يكتسيان بداعةَ الغموضِ..
في خارجهما مهابةٌ، وفي باطنِهما كثافةٌ..
لكنهما لاذعان، حارقان.. حادان،..!
لكليهما قبضةٌ إن نزلت على جلمود تشظى..
وإن لامست بحراً تحرك ماؤه..
بحرَ الماءِ.., وبحر النفسِ..!
وإن عاصفت هذه القبضةَ ريحُ، خرجت من معطفها الدافئ الكمين..,
درعا يتصدى، وصوتا يهدر..
الثلج ينفَضُّ جارياً.., والصمت ينفض ناطقاً..
منظرُ الثلوج تكسو مساحات شاسعة على الأرض، جذابٌ، مدهشٌ..
يستدعي ملكات الإلهام.. وكوامن الإيمان..
قدرةُ الخالق، وبديعُ صنعه..
العربات، والبيوت، والشجر، وبقايا الطرق، ومداخل المنافذ، وأقفال الأبواب، والنوافذ.. وعرائش الجدران.., والزيت في الصفيح، والرفوف في السطوح،..
تختفي ألوانها، وأشكالها، ونمنماتها، وثقوبها..
يندس فيها الثلج كما تندس الكلمة في الصدر..
ولا أعمق، ولا أثرى من شواهد الطبيعة، ومعَلِّمها..
هي تعطي المثلَ, وتوفِّر المُعَـلِّمَ..
وبسطةُ الأرض ساحات التلقي، وفضاءات التعلم..!
أي وربي..، معلمٌ صامتٌ هي الطبيعةُ في خلق الله العظيم..
معلمٌ صامتٌ هو التأملُ بلا كلام، في خلقِ الله..
في الثلج، وفي الصمتِ..
فالصمتُ، والثلجُ قرينان للقوة، علامتان للقدرة، وللكمون الخلاق..،
حين يكون الثلج مكيناً.., والصمتُ حكيماً..
ولهما مهابةٌ.., يتخوفهما العزَّلُ مأوىً، وحُجةً..!
وحين يذوب الثلج فإنه الماءُ يَبْلُـغُ..,
وحين ينفض الصمت فإنه الكلام يُبلِغُ..
كلاهما خير.. من نعم الله في خلقه، وحكمته، ومقدراته تعالى..
وللإنسان أن يتفكَّر في أبعادهما ما يشاء.. لعله أن يتعلم في مدرستهما..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855