اختتمت أمس الثلاثاء أعمال الدورة الثالثة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وتوافد إلى الرياض ملوك ورؤساء الدول العربية أو من ينوب عنهم باستثناء النظام السوري المعزول عن محيطه العربي والإسلامي وعن جل دول العالم.
هذا زمن التكتلات السياسية والاقتصادية وسقوط الأيدلوجيا؛ لقد فشلت الشيوعية في أن تكون عقيدة فتفكك الاتحاد السوفيتي، وتراجعت النظرية الاشتراكية، وبدأت دول المنظومة الاشتراكية السابقة إما بالتمرد على ما كانت تلتزم به من نشوء رأسمال شعبي، أو أنها تزيف تمردها بتعاليم وقوانين تستر خيبة الانسحاب؛ حتى في عقر دار الشيوعية روسيا، أما الدول التي لازالت تظهر التزامها بالنظرية الشيوعية مثل كوبا فإنها تجرع شعبها الفقر والتخلف التنموي مع الخبز الناشف والسيارات الهرمة القديمة؛ وتنتظر دفن كاسترو مع نظريته في الأممية والعدالة الاجتماعية.
أما الصين فقد توجهت إلى تكوين رأس المال بجرأة وثارت هي نفسها على ثورتها الثقافية، وبدأت ترتدي الثوب الرأسمالي بهدوء وصمت، وتكاد أن تنافس الغرب الآن في البنية الاقتصادية شبه الحرة! وعلى مستوى الدول المتقدمة لم يعد للأدلجة معنى أو تأثير في الالتقاء أو الافتراق؛ بل تأكدت أهمية المصالح المشتركة لا العقائد المشتركة؛ ولذا نجحت معاهدة اتفاق الدفاع الأوربي المشترك، واتفاقية السوق الأوربية، وسقطت العملة الوطنية وصعدت العملة الأوربية «اليورو» وصمدت تقاوم التفتيت وتسعى إلى ترقيع الثوب الخلق في اقتصاد بعض دولها الضعيفة؛ مثل اليونان كحالة اقتصادية مأساوية استدعت « الفزعة « الأوربية بمئات المليارات من اليوروات لإنقاذها! وهنا يأتي معنى الوحدة أو التكتل الذي يكاد يكون غائبا عن العالم العربي في حالتي الدفاع العسكري والدفاع الاقتصادي والحماية الصحية أو حتى الإغاثة عند اللزوم في حالات الكوارث أو المجاعات أو الأمراض؛ على الرغم من أن المشترك بيننا أكبر وأوسع بكثير من مشتركات الأوربيين أو الآسيان أو غيرهما؛ فنحن نتكلم لغة واحدة، ونؤمن بدين واحد، ونتكئ على تاريخ واحد مشترك، ونتجاور في محيط جغرافي متقارب، ونملك ثروات هائلة في بعض نقاط هذه الجغرافيا وفقرا مدقعا أيضا في نقاط أخرى، ونتخم بقدرات متفوقة علميا واقتصاديا وثقافيا في بعض ونكاد نكون أميين نعيش في قرون غاربة في بعض آخر ! نحن العرب لا تكامل بيننا، ولا تعاون، ولا تواصل، ولا تبادلات ثقافية أو علمية أو اقتصادية؛ إلا حالات لا ترقى إلى تحقيق ما نأمل، فالكتاب العربي يحاصر ويطارد من عيون الرقيب في كل دولة، والمجلة والجريدة كذلك، رغم أننا في عصر الإنترنت، والتبادل التجاري محدود ولا يصل إلى المدى الذي ينهض بالاقتصاد عند المصدر ويغني حاجة المستورد، والحركة التجارية والاقتصادية مرتبطة بالمواصلات، وهي تكاد تكون متقطعة الأوصال بيننا؛ فلا خطوط حديدية بين الدول العربية، ولا تسهيلات في العبور؛ بل إن بين بعض دولنا «تأشيرات» يا للعار! وكأن العربي يقصد بلدا ليس بعربي ولا مسلم؛ بينما يحصل المسافر في بعض البلدان على «الفيزة» من المطار، مثل كوريا، أوتايلند، أو تركيا! الأمة العربية أمة في «المعنى» والقيم الجميلة الإسلامية التي نعتز بها، والتراث المشترك الذي ننتمي إليه، أمة تنتمي إلى المتنبي وأبي فراس، وابن عباد، وابن الرومي، والبارودي، وشوقي، ونزار؛ لكنهاا تحرك ساكنا في حالة الضيم كما هي الدماء النازفة في سوريا، وتنسى أو تتناسى ما حفظته من الشنفرى الأزدي أو عنترة العبسي أو من طرفة عن نصرة المستجير ونجدة المظلوم! وهي تنفق أموالها في سرف وترف على كثير مما لا يجدي من مظاهر اللهو أو اللعب أو التزين بما لا يغني؛ وتنسى أو تتناسى من يحتاج إلى من تمد له يد العون والرفد في حالات المسغبة والعوز؛ كما يحتاج إخوتنا في الصومال أو اليمن أو سوريا وغيرها! بدون تكامل، وبدون وحدةٍ دوافعها «المصالح المشتركة» لن نصمد أمام عواصف الأطماع السياسية والاقتصادية.
ونحن لن نكون أقوياء إلا بتجمعنا ووحدتنا؛ وإلا كنا في تفرقنا كالشاردة من قطيع الأغنام تفترسها الذئاب المتربصة!
moh.alowain@gmail.commALowein@