من أبلغ الأقوال التي قيلت عن حالة النشر والعمل فيه.. قول أطلقه الأستاذ حمد القاضي حينما عرّف بنفسه في مؤتمر الناشرين العرب الذي أقيم في الرياض قبل عامين.. حيث وصف نفسه بالناشر التائب.. فإذا كان هذا هو حال الناشر الثقافي فماذا يقال عن الناشر المتخصص الذي يخاطب دائرة أضيق من المتخصصين والمهتمين؟
النشر المتخصص أحد وسائل التنمية المهمة.. وهو يعاني في العالم العربي كله من الضعف والضمور والندرة لأنه مركز تكلفة دائماً لا مركز ربح.. لذلك فالذين يتصدون لهذه المهمة إما متطوعين أو جهات حكومية من باب المسؤولية المجتمعية.
المجلات المتخصصة هي الأوعية الحية المتحركة المتفاعلة مع كل ما يهم ذلك التخصص مهنياً وفكرياً واجتماعياً واقتصادياً وتنمية.. فهي جسر المعرفة المتخصصة حول العالم والناشر لأنشطته والمعرِّف بها.. وهي ميدان الحوار والنقاش وتلاقح الأفكار.. إضافة إلى دورها في تحفيز المبدع والمفكر والكاتب والمتخصص وكل ذي علاقة على أن يشارك ويعرض موقفه وتجربته ورأيه وتشخيصه وتحليله ومقترحاته وحلوله.. كما تتيح اتصال المهتمين ببعضهم.. محققة بذلك غاية مهمة وهي نشر المعرفة على أوسع نطاق.. وتدوين التجارب وتوثيقها.. وتكوين معرفة متراكمة يمكن للجميع الرجوع إليها.
من أمثلة هذه المجلات مجلة المدير التي تتخصص في الإدارة العامة.. وتمتاز بمتابعة وعرض كل جديد عالمياً في هذا المجال.. وتهدف إلى تنمية وتطوير المديرين.. يقف خلفها الخبير الدكتور إبراهيم المنيف وأجزم أنه ينفق عليها من جيبه.. ولا غرابة في ذلك فعائداتها المتوقعة لن تكون أفضل من عائدات مثيلاتها من المجلات المتخصصة.. فكلها لا تغطي تكلفتها في أفضل الأحوال.. أما وقد تجاوز الدكتور إبراهيم العقد وعامين في إصدارها بانتظام فإنني لن ألومه لو كَلَّ أو مَلْ واستأذن بالانصراف عنا وعن المجلة التي هي في كل الأحوال ستنتهي بنهايته.
دعم الإصدارات المتخصصة واجب وطني.. لا بد أن يكون بنداً ثابتاً في الميزانيات الحكومية ونفقات التنمية البشرية في القطاع الخاص.. فمن أقل واجبات الشركات والبنوك والجهات الحكومية الاشتراك في تلك المجلات المتخصصة.. فهي أولاً تثقيف لمواردهم البشرية.. وهي ثانياً دعم للإعلام المتخصص حتى يقوى ويكبر دوره في توعية الموارد البشرية الوطنية.. التي هي الآن في أمس الحاجة إلى ذلك.