منذ الصغر ونحن نسمع بأن العرب يواجهون ثالوث الفقر والجهل والمرض، وبعد عقود من الزمن لم يتغير الوضع، فقط استُبدل الجهل بالبطالة، والبطالة نتيجة للجهل. جهل في إعداد الأيادي العاملة وتعليم وتدريب الشباب العربي بما يحتاجه الوطن من موارد بشرية مؤهلة. فبعض الدول العربية واجهت الجهل بفتح المدارس وأكملت المنظومة التعليمية بالتوسع في إقامة الجامعات، إلا أن التعليم شيء والقضاء على الجهل شيء آخر، فلا يكفي أن (يفك الخط) ليكون الإنسان مؤهلاً ومنتجاً كما كان في السابق. فالجهل المستوطن في الوطن العربي يتطلب عملاً ممنهجاً وإستراتيجية تعتمد بناء إنسان منتج وفاهم لما يريد، قابل للتطور. الإخوان في المغرب العربي الكبير يطلقون على هذه العملية بـ(التكوين)، فالفرد يخضع للتكوين المهني والفكري من خلال برنامج تعليمي يضع في اعتباره حاجة المجتمع إلى إسهامات هذا الفرد، وليس فقط (حشو) عقله بمعلومات لا علاقة لها بحياته العملية والمهنية.
مرحلة التكوين -كما هو في الدول المتقدمة- لا تقف عند حدود التعليم العام، ولا حتى التعليم الجامعي، بل يتعدى ذلك إلى التعليم العالي المتقدم المتمثل في تكوين طبقة من الباحثين والعلماء الذين يطورون ويبتكرون أساليب وطرقاً جديدة لتطوير حياة الإنسان في شتى المناحي الروحية والعلمية والعملية والإنسانية، عندها يمكن ردم هوة الجهل والقضاء على البطالة، لأن الإنسان المكون علمياً ومهنياً يكون مدار بحث لا أن يبحث هو عن العمل.
هذا بالنسبة للجهل والبطالة، أما فيما يتعلق بالفقر، فإن التطور العلمي والمهني وتكوين ثروة بشرية منتجة ومعدة إعداداً مهنياً تسهم في رفع المستوى الاقتصادي العام للبلدان العربية، وبالتالي سيحد من نسبة الفقر. وبما أن الإنسان هو المحرك الفعال لأي تنمية اقتصادية والذي تتضاعف قيمته بتفعيل البحوث العالية وتحسين البيئة الاقتصادية التي لا بد وأن تتطور عندما يرتفع مستوى الفرد وسط بيئة علمية منتجة.
وتحسين الأوضاع الاقتصادية والنجاح في تحقيق التكوين الأمثل للمواطن العربي من خلال رفع مستوى التعليم العام والعالي والتوسع في دعم الأبحاث والبرامج العلمية، لابد وأن يحسن البيئة الاجتماعية والصحية مما يقلص الإصابة بالأمراض، فكلما تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي وارتفع مستوى التعليم تتقلص فرص الإصابة بالأمراض.
وهكذا، فهناك ترابط بين المنظومة الثلاثية والتي تمثل أركانه الفقر والبطالة والمرض والتي يعاني منها الوطن العربي، وهو ما يجعل من التوجه لعقد قمم عربية متخصصة لمعالجة وتسريع التنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية وتطوير البني التحتية الاجتماعية توجهاً صائباً ويتفق مع الفكر المعاصر الذي يلجأ إلى الحلول العلمية والعملية لمعالجة القصور في مواجهة المشكلات التي تعترض تطور الأمم والشعوب، وهو ما سعت إليه قمة الرياض التنموية والاقتصادية والاجتماعية الثالثة والتي تضمنت العديد من قرارات مخرجات هامة، تحتاج إلى التطبيق والتنفيذ الجاد، وإرادة سياسية صادقة حتى يتم معالجة ما يعترض المجتمعات العربية من مشكلات ظلت عقوداً طويلة مستعصية على الحل.
jaser@al-jazirah.com.sa