نشرت جريدة الوطن، تقريرا صحفيًا بعنوان: «سعوديات يتخطيّن حاجز العيب ويعملن بالنظافة».. في مجمله أجد أن هذا التقرير جيدا في أهدافه ومضمونه، إلا أن من يقرأ العنوان يعتقد بأنها المرة الأولى التي تعمل فيها المرأة السعودية في هذه الوظيفة الشريفة، فلا زلت أتذكر عندما كنت طالبة في المرحلة الابتدائية وإلى أن تخرجت من الثانوية، العاملات بالمدارس التي التحقت بها، وكنّ في غالبيتهن من السعوديات اللاتي يقمن بأعمال التنظيف في كافة مرافق المدرسة، إذن لا جديد يحمله التقرير الصحافي، سوى أنه تم فتح مواقع جديدة للسعوديات العاملات في هذه المهنة، كالمنتجعات السياحية أو الفنادق وغيرها. وهذا ما نحتاجه لتوسيع دائرة العمل للنساء المحتاجات لهذه الوظيفة من غير المتعلمات، وهذا أفضل لهنّ من التسول عند إشارات المرور، أو امتهان البيع على الأرصفة الحارقة صيفا، الباردة شتاءً، في الشوارع غير المؤتمنة والتي قد تتعرض فيها المرأة لكل أنواع التحرش والإيذاء. وليت المعارضين لعمل المرأة في المحلات والأسواق المفتوحة والتي لا تُشكل خطراً على المرأة، أن يهبوا لرفض تسول النساء والبيع على الأرصفة!
العمل الشريف لا يُعيب الإنسان، إنما يُعيبه الاتجاه إلى الأعمال غير الشريفة بحجة العوز والحاجة، ويعيبه أن يمد يده للآخرين ليحصل على المال دون تعب وأحيانا بلا حاجة، إنما العمل الشريف -أيًا كان- فهو يزيد من قيمة الإنسان عند نفسه أولاً، وفي عيون الآخرين ثانيًا، وما دام هناك إقبال على مهنة «النظافة» فمن المهم أن تكون وفق ترتيبات معنية بها وزارة العمل، وفتح الأبواب أمام المحتاجات لهذه الوظائف والتي تشغلها في الغالب «وافدات»، فهناك أماكن جيدة كبيئة آمنة لهذه المهنة، مثل الأسواق والمطارات، وكافة الأماكن التي يرتادها كل أفراد العائلة. هذا بلا شك، لن يكون مُرضيًا لبعض أرباب العمل، فهم المنتفعون من قلة أجور العاملة الوافدة، في مقابل توظيف سعودية بأجر شهري قد يكون ضعفي أجر الوافدة، لذا فإن وزارة العمل -وحدها- قادرة على فتح الأبواب لبنات البلد، وإغلاق منافذ التلاعب في وجه أصحاب العمل وإرغامهم على توظيف السعوديات.
المرأة السعودية عصامية بطبعها، وحققت نجاحات في جميع المجالات، وتواجدت في كثير من المهن، وما دام هناك حاجة لوظيفة عاملة نظافة، وهناك نساء غير متعلمات ولا يملكن شهادة لوظيفة أخرى، فما المانع من اعتماد هذه المهنة للمرأة، مع وضع كافة الضمانات التي تحافظ على حقوق هذه العاملة؟ إذ إن توفير الوظائف لا يقتصر على خريجات الجامعات أو المعاهد -مع أن حتى هذه الفئة لم تجد وظائف مناسبة- بل أيضًا، خطط العمل ينبغي أن تغطي كافة الاحتياجات والطبقات والمهن المختلفة، التي تُبعد المرأة عن خط الفقر وحالة العوز التي تجعل منها مجرد إنسان يمد يده بحثًا عن الإحسان، وما تلك القصص اليومية التي تصلني عبر برامج الاتصال الحديثة أو عبر البريد عن نساء بحاجة ماسة لمبلغ فاتورة كهرباء، أو لعلاج، أو غيره من متطلبات الحياة، إلا شكلاً من أشكال الإهانة التي ينبغي أن نحاول جميعًا القضاء عليها، والعمل الشريف هو المسار الصحيح لمعالجة هذه الأوضاع!
www.salmogren.net