ليس مهماً أن نعرف كيف استُعبدت المرأة في المجتمعات غير الإسلامية بعدما كانت آلهة بابل في الميثولوجيا القديمة؟ أو ما الذي حدث عبر الزمن ليتحول مصير المرأة من التقديس إلى الحرق؟ أعني ما يُسمى بالسُتي وهو تقليد هندوسي يعرّف على أنه حرق الأرملة حية مع زوجها المتوفى!
ليس مهماً كل ذاك ولن أتتبع التغيير الهائل في مسار انكفاء قيمة المرأة عبر العصور. ولن يعنيني الآن تاريخها الذهبي حينما كانت بكل تكوينها الجمالي والدفيء وبإمكاناتها الفطرية على الاحتضان والخلق وكل ما تفرزه كينونتها الغنية بالعطاء من مسؤولية مؤطرة بالحكمة والتضحية، ذاك الذي بوأها صدارة الأسرة والمجتمع القديم. لأننا مقابل حيرة أكبر من انشغالنا بالذي حدث. إننا في مواجهة مصير راهن تعايشه المرأة في زمن الوعي الحقوقي والإنساني في دول العالم. وإني هنا لستُ أركز على مظلوميتها أو حتى أؤيد ذلك المصطلح ولن ألقي باللوم على أحد. أريد فقط أن أشرف على الحالة من أعلى إشراف المتأمل وليس المُطالب. ولو كنتُ سألقي باللوم على أحد، فلن أتجاوز المرأة نفسها. وحتى لا تعتقد أي امرأة أنني ضدها قد أستعين بمقولة لـ «كالفن كاندي» في فلم «جانغو» الذي يُعرض في السينما الآن، يقول كالفن ابن العائلة الثرية المالكة لشركة تجارة للرقيق منذ الأب والجد مؤسس الشركة: هذا هو بن. إنه عبد قديم عاش هنا لفترة طويلة. وقام برعاية أبي وجدي. واعتنى بي. ترعرعتُ هنا في مزرعة ضخمة في ولاية المسيسيبي. لقد قضيتُ حياتي كلها هنا في أرض كاندي محاطا بالوجوه السوداء أراهم كل يوم وكان لي سؤال واحد فقط: لماذا لا يقتلوننا؟. إذا تفحصت جمجمة إسحق نيوتن أو غاليليو ستعثر على ثلاث نقرات مرتبطة بالإبداع. لكن جمجمة بن العبد، هذه النقرات الثلاث مرتبطة بالخنوع!» ما أريد قوله إنه لو استعبدت امرأة - بكل ما لديها من هبات وطاقات وتفرّد - فذلك بسبب خنوعها أولا.. وخنوعها ثانياً.. وخنوعها ثالثا!. لا علينا. أعود لموضوعي الرئيسي عن وضع المرأة في بلادنا المُستلب الآن، والذي لا يصل لما وصلت له الحضارات الأخرى من إحراق وقتل لكنه ما يزال يعتبر في حدود التهميش والاستلاب. سواء بسبب مجتمع ذكوري بامتياز أو بسبب قيود ثقيلة من التقاليد تعتبر حيداً صارخا عن ما جاء به الإسلام وما كرسه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من احترام للمرأة ورفع شأنها ونفض غبار الجاهلية الذي بدد كرامتها. وبما أني تحدثت عن الخنوع - كسبب من أسباب الاستلاب- فهل أنا هنا مع أي تحركات فردية طابعها الغوغاء والفوضى، أو للمطالبات التي تفوح منها روائح الكراهية أو للخطاب المجيّش للمشاعر؟!
لا أبداً. فالعقل التنويري ليس مؤيدا لأي تصرف غير عقلاني. والتغيير لا يمكن أن يحصل بافتعال الفوضى. التغيير نتيجة إيجابية لمرحلة طويلة من تكريس الوعي. والمتأمل النبيه لعلم الحياة المجتمعية سيدرك أن للعادات دورة حياة، فهي كما تنشأ لا بد أن تموت. فالعادات مثل حصان أصيل، يهبُ حينما يستدعيه سيده، ويموتُ حين يموت!.
التغيير يأتي حين تتطلب الحياة ذلك، هو يأتي تباعاً ويصدر كالشعاع كلما اقتربت الشمس وصفت السماء. فنحن بحاجة فقط لأن تقترب الشمس، وأن تصفو السماء، ولسنا بحاجة لإثارة زوابع وإشعال فتن.
وبودي ألا أختم حديثي عن المرأة قبل أن أعطي مثالاً حياً من واقعنا. كم تطلب الوضع الاجتماعي في المملكة للتحول من مجتمع بلا مدارس لتعليم المرأة إلى أن تتولى المرأة أكبر منصب تشريعي الآن؟! الجواب سيقودنا لأن ندرك أنه لم يستدع التغيير إثارة فتن ولا بلابل ولا فوضى، حدث لأن دورة حياة جديدة بدأت بقيادة عبدالله بن عبدالعزيز. فالتغيير حين يحصل فإنه يحصل ببساطة في وقته وفي أوانه بعد رحلة قطعتها المرأة بدأت بتعليمها ولن تنتهي عند الشورى!
ختاماً... تحيّة مزهرة لسيدات الشورى، ولصاحب القرار الحكيم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله الذي أعتبره إحياءً لتعاليم الدين في مواجهة التقاليد التي عفا عليها الزمن..
kowther.ma.arbash@gmail.com