* كما قيل
(كذا قضت الأيام مابين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائدُ)
حتى وإن أبدى رجال الاقتصاد، ومؤسسات السياسة، ومن يدّعون الحكمة خلاف ذلك، إذ من المؤكد أن الحروب وما يصاحبها من ألوان المآسي، وصنوف الدمار،
وانتشار الأوبئة تشكل تحريكا مباشرا لا يستهان به للحركة الاقتصادية في العالم، والبشر حين يتجردون من الإنسانية، وتستولي عليهم النزعة المادية يقتات بعضهم من أشلاء البعض، ينتشون باستنشاق روائح الأجساد المتعفنة، يستعذبون مص دماء الأبرياء، شعر دهماء الناس جميعهم بذلك، أم لم يشعروا.
* دول كثيرة، في قارات مختلفة، أحدقت بهم أزمات مالية، عصفت في كيانها، لكنها في الوقت ذاته تضم عقولا قادرة على إنتاج التقنية، والتصنيع، والتصدير. لسببٍ، أو لآخر انهارت هذه الدول بشكل مفاجئ، وبقيت العقول التي استثمرتها وقت رخائها.
* تجار الأدوية، والأسلحة بمختلف أنواعها الفتاكة لا ينعمون في حياتهم، ولا يهنأون إلا في ظلال النكبات والكوارث، والإنسان حتى وإن كان مسلما في الهوية، والانتماء شكلا. أمام سلطة المال قد يتجرد من قيمه وأخلاقه، ودينه، تجده بطريق مباشر وغير مباشر يشعل فتيل الحروب، إما بالدعم، أو التواطؤ، أو المداهنة. الأهم في حياته هو الحصول على الثروة، بأي وسيلة، وبأي ثمن، وتحت أي ذريعة. هم وإن تزيّوا بخلاف ذلك كشفهم (البردوني) بقوله:
قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا
شيئا، كما أكلوا الإنسان أو شربوا
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا
ونحنُ من دمنا نحسو ونحتلبُ
* ومع ذلك:
كتائب الغزو تشوينا وتحجبنا
يوما، ستحبلُ من إرعادنا السحبُ
* لقد تابع الجميع أمام أزمة الديون التي عصفت بأوربا الخطر المحدق بشعوبهم، وقد تمثل ذلك بقول وزير المالية البولندي: إننا نواجه أخطر تحدٍ عرفه هذا الجيل.. إذاً لابدّ من النضال من أجل مستقبل أوربا... إذا استمرت الأزمات بهذه الصورة فمن الصعب التكهن بالمستقبل.. مثل هذه التصريحات وغيرها تؤخذ مأخذ الجد، وتستثمر من قبل التجار وصناع القرار.
* من المعروف أن الدواء كالسلاح لا تستطيع البشرية التخلي عنه، وقد أدرك التجار هذا التلازم بين السلعتين فتحالفت شركات الدواء مع مؤسسات التصنيع العسكري، وقادهم ذلك إلى ما هو أخطر، فبدأوا يتحالفون، وبخاصة في دول الغرب مع الأحزاب السياسية في معارك الانتخابات، مقابل تمرير مشاريع، تتصل بتأجيج الصراعات بين الدول والأقليات حتى وإن كان ذلك مخالفا للمواثيق والأعراف الدولية، وقد وجدوا من دول العالم الثالث أسواقا للترويج، وبخاصة في آسيا، وإفريقيا، ودول أمريكا اللاتينية، ولا تستغرب وجود شركات ومؤسسات تتاجر في أعضاء البشر المبتورة في مثل هذه الأزمات، وتسوقها على الشعوب المنكوبة، تتداول الأعضاء بين الأسر المنكوبة، علموا بذلك، أم لم يعلموا.
* أمام هذا التصور القاتم الذي رسمناه عن هذا النمط من البشر كم أعجبتنا مواقف بعض التجار من هذا البلد المعطاء حينما لوّحوا بكل شموخ واعتزاز وثقة بالله بمقاطعة الشركات الأجنبية على مواقفهم المخزية إزاء الأحداث المؤسفة في (سوريا)، فسجلوا بهذا الصنيع موقفا يحسن الإشادة به. لكن الشيء الغريب والملاحظ أن بعض الشعوب العربية (لفرط ذكائها) أمام المشكلات والأزمات تميل أكثر شرائحه إلى دعوة الدول إلى استخدام القوة، وشن الحروب، خلافا للأجناس الأخرى. في النهاية، تبقى هذه الأخلاق، وإن حادت عن الجادة طبيعة في البشر، بل قد تكون موجودة منذ الأزل، ولله الأمر من قبل ومن بعد، يخلق ما يشاء ويختار، وإليه يرجع الأمر كله، هو القاهر فوق عباده، وهو بكل شيء عليم.
dr_alawees@hotmail.com