نفحة من عطر الأجداد:
كان أسلافٌنا الأوائل أكثرَ منا صلابةً وأقوى عزماً وأشدّ صبراً!
لم يفقدُوا ظلَّهم تحت شمس الفاقة والعوز وتحديات الزمان والمكان! ولم تخجلْهم حبّاتُ العرق تكسو جباههَم عناءً من (ماراثون) العيش القاسي! بل كانت عناقيد فخر لهم وكبرياء!
***
لم تغادرهم فضيلة الخُلق أو يقطعوا صلة البر برحم أو جار أو غريب أو عابر سبيل!
لم يفرّطوا باحترامٍ للكبير.. أو يحجُبوا رأفةً بصغير!
كانوا.. رغم الفقر والعوز والحرمان أوفياء للخالق، فلم يلههم عن عبادته مالٌ ولا بنون، وكانوا يؤثرون على أنفسهم مما يجدون ليقتسموا الزاد والمأوى مع مَنْ هم في حاجة إلى ذلك! وكانوا رحماء بينهم فلم يحكّموا الفرقة والشقاق فيما شجر بين بعضهم من خلاف أو اختلاف، وإن فعلوا ذلك كانوا له كارهين!
أجل، كان أجدادنا في كثير من أمورهم أكثر منا جدّية وأندى تسامحاً، رغم قسوة العيش وشظف الحياة!
***
مكتبة الملك عبدالعزيز العامة:
واحة معرفية وحضارية كبرى.. صنعتْها مبادرةُ رجل، كريم النفس، نبيل القصد، مثقّف العقل، هو سيد هذا الكيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله، وهي رمز وفَاء جميل لوالده المؤسس الخالد، جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، طيّب الله ثراه، وقد أبدع القائمُون على شؤون المكتبة في تكوينها على نحو تجسّد للملأ، بالصورة والحرف، بعضاً من ملامح عبقرية عبدالعزيز، التي أذهلت الخصومَ، وشرّفت الآلَ والمحبيّن، وغدت “قاعة الملك عبدالعزيز” لؤلؤةً يزدانُ بها جِيدُ هذه المكتبة، لأنّها مرجعٌ قويّ لكلّ ما عُرف أو يجب أن يُعرفَ عن هذه الشخصية التاريخية الهائلة الصيت، قديماً وحديثاً، ناهيك عن المعارف الإنسانية الأخرى!
***
التربية والإنسان:
التربية هي بوابة المستقبل، ومنها يعبر الإنسان إلى ساحة الغد الواعد بكل ما هو جميل، وبها تتحقّق الأحلام، وتولد الرؤى المبشَّرة بما فيه صلاح المرء وفلاح الأمم!
والإنسان هو غلّةُ هذه الأرض وخيُرها! وهو الوارثُ فيها ولها، ما كان يمكن أن تعمرَ الأرض إلاّ به، ولا يستقيمَ لها حالٌ إلاّ معه، ولا يستقّر لها شأن بعيداً عنه! هكذا شاء الله له، ونعم المشيئة، وهكذا كان الإنسان ويكون! لذا، لا عجب أن تكون التربية والإنسان وجهين لشأن واحد!
***
مستنقع الإشاعة:
الإشاعة مستنقعٌ سلوكي تنمو فيه طفيليات القول الخبيث الذي يفسدُ الظنّ، ويلّوثُ النفسَ بأدران الفُرقة بين الناس، فإذا هم يبغضُون بعد ودّ، ويختصُمون عقب رضَا، ويبتعدُون بعد قرب، ثم لا يأمنُ أحدٌ منهم أحداً، بل يظلّ يوجسُ منه خيفةً وريبةً وسوءَ ظنّ، فيما يقول ويفعل - عَبْر الليالي والأيام!
***
والإشاعة وجه آخر للنميمة التي حذّر منها الرب تبارك وتعالى، بقوله جَلَّ من قائل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (6) سورة الحجرات.
***
ونحن مطالبُون ديناً وخلقاً وحضارةً أن نقاوم الإشاعةَ بفضائل الدين وآدابه، ثم بالحب والسطوة على النفّس والهوى! أنْ نواجهَها بمثل ما علّمنا ربُّنا تبارك وتعالى، فلا نتلقف كل نبأ فاسد يأتينا، وننزله منزلةَ الصدق الذي لا ريب فيه، لأن ذلك قد يقودنا إلى فعل يحبط أقوالنا وأفعالنا، فيحيلُها حسراتٍ علينا وعلى مَنْ ظلمناه بسوء الظن، الذي لا يغني من الحق شيئاً!