تُعد الكتابة أداة رئيسة في التعبير والتوثيق والبحث في أي مجال كان، ومما يُؤسف له في خريجي جامعاتنا وتعليمنا بصفة عامة، هو ضعف مهارات الكتابة، سواء الكتابة المهنية المتعلقة بالتخصص أو الإدارية المتعلقة بالتواصل الإداري أو البحثية المتعلقة بكتابة البحوث أو الكتابة الحرة المعبّرة عن الإنسان ورؤاه وأفكاره.
الأمر ينطبق على جميع التخصصات تقريباً، حيث أصبحت أساليب التعليم الجامعي تُركِّز على طرق لا تُنمّي مهارة الكتابة طيلة أيام الدراسة، مثل استخدام الأسئلة الاختيارية بشكل دائم كبديل عن الواجبات والأسئلة التي تتطلَّب مهارة الكتابة والشرح. بعض الكليات كالهندسية والطبية يحتج أساتذتها - رغم عدم صحة ذلك - بأن مهنهم تقنية لا تتطلَّب كثيراً من المهارات الكتابية.. فماذا عن الكليات التي تُخرِّج تخصصات تتطلَّب كثيراً من الكتابة الاحترافية، كأقسام الإعلام والحقوق والأعمال والإدارة والتربية والآداب؟
أليس من المؤسف أن أجد خريج إعلام لا يجيد كتابة خبر صحفي أو تقرير ميداني أو تحقيق إعلامي، بشكل مقبول؟ أليس مؤسفاً أن كثيراً من الصحفيين لا يتجاوز عملهم ساعي البريد، ينقلون ما يُكتب لهم من أقسام العلاقات العامة بسبب عجزهم عن كتابة الخبر أو التقرير المطلوب بأنفسهم؟ أليس مؤسفاً أن نجد معلماً لا يستطيع كتابة تقرير متكامل دون أن ينقله من آخرين أو يقدمه مليئاً بالأخطاء التعبيرية قبل اللغوية؟ أليس مؤسفاً أن نجد جراحاً ماهراً لا يجيد كتابة تقرير مريضه؟ أليس مؤسفاً أن نجد مهندساً يستلم إدارة كبرى، ولا يجيد كتابة خطاب أو تقرير إداري؟
قضية الكتابة تنبهت لها الجامعات المتقدمة، فطوّرت وسائل متعددة في هذا الشأن، سواء من خلال منح الطلاب واجبات تتطلَّب مهارات الكتابة أو إنشاء مراكز مساندة، كمراكز الكتابة وإقامة ورش عمل متعددة في هذا الشأن... إلخ. محلياً لا أعرف سوى كليات دار الحكمة لديها مركز لمساعدة الطالبات في الكتابة - استديو الكتابة.. فأذكر على سبيل المثال بأن أحد مديري جامعة هارفارد طرح السؤال: ماذا نفعل في هارفارد من إيجابيات وسلبيات لطلابنا في المرحلة الجامعية.. وكيف نُحدث التغيير؟ وبعد دراسة علمية خلصوا إلى أن مهارات الكتابة تُعتبر أحد أهم المهارات التي يحتاج الطلاب إلى تطويرها، بل إن الطلاب أشاروا إلى حاجتهم إلى تقوية مهارات الكتابة لديهم ثلاثة أضعاف أية مهارة أخرى.. وعلى ضوئها تم بحث أساليب تطوير الكتابة لدى طلاب الجامعة، وانبثقت حلولٌ تعليمية عديدة، لا مجال هنا لتفصيلها، أصبحت تُطبق بهارفارد وغيرها من الجامعات المتطورة.
البعض يحتج بتواضع مخرجات التعليم العام في هذا الجانب، وازدحام الجداول الدراسية، وضعف كثير من أساتذة الجامعات أنفسهم في مهارات الكتابة وكيفية تطويرها. أقر بتلك الصعوبات لكنه مهم عدم الاستسلام للأعذار وبذل الجهد الأكبر في هذا الشأن. مهم جداً طرح الأسئلة على طلابنا وخريجينا، ما هي المهارات التي ترونها تنقصكم؟.. هل تثقون بقدرتكم على طرح أفكاركم ومعلوماتكم ونتائج تجاربكم عن طريق الكتابة؟
الكتابة وسيلة تعبير وتواصل وتفكير وتحليل واستنتاج وتطوير مفاهيم تخص القطعة المكتوبة ذاتها، وتخص مفاهيم الحياة بصورة أشمل.. وهذا يعني أن تطوير مهارة الكتابة يجب أن يكون له أولوية قصوى في تعليمنا العام والعالي على حد سواء، ويجب أن تطرحه الجامعات ضمن أجندتها التطويرية الأكاديمية.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm