قوانين الجاذبية على ما يبدو قد أصبحت غير مجدية وليست ذات بالٍ، نظراً للتطوّرات التكنولوجية والمعرفية التي اجتاحتنا وأحاطت بنا رغماً عنا، بجميع جهات حياتنا التي أضحت تشبه جزيرة محاصرة حصاراً شفافاً غير مرئي، ولتصبح بعض أفكارنا ومعتقداتنا خرافات بالية أو كلاماً تنظيرياً، بعيداً عن أرض الواقعية التي يرتفع ولا يهبط على سطحها أي معنى، نحاول أن ننقله من ذلك الزمن المباد البعيد إلى زمن هذه اللحظة، فتبدو جزيئات وذرّات بعض حروفنا سابحة في الهواء لا تخضع لقانون الجاذبية الذي نتكلم عنه، مهما حاولنا وأوهمنا أنفسنا أنّ كلامنا هو ابن عم تفاحة نيوتن وأنه كان رفيق دربها ومشوارها، سواء أكانت مقولة رجل محنّك أم نظرية عالم مجرّب أم علماً متقناً، وسواءً رضينا حالاً أم تقيأنا مقتاً، فإننا نعلم تماماً أنّ البعض يتقن فن التلوُّن الصريح أو المموّج أو الرمادي غير المعلن، إنّ هذا البعض الذي يوصف بأنه ناجح ومميّز في حياته، لو دققنا لوجدناه يتعامل مع الإحداث بواقعية وعقلانية ويحاول المحافظة على منجزاته الحياتية المتحقّقة من خلال التلوُّن والتحوُّل من موقع لآخر، فمرة يكون في اليمين وأخرى في اليسار، مع قناعته التامة أنّ ذلك هو الأصح والأسلم فلا يشعر بالحرج أو احمرار الوجنات من فعل ذلك والطير من عش إلى آخر ومن وكر إلى نظيره، على اعتبار أنّ الحياة هي ذكاء مسايرة الواقع ومستجدات الأحداث والظروف وإدارة عملية المسؤولية وتحمُّل أعباء الآخرين بنظرة سراب ذات ألوان خادعة للبصر، وهذا يقودنا إلى اعتبارات أنّ الأخلاق والمبادئ مهما كانت بيضاء أم سوداء غالباً تفقد بريقها عند بعض الناس إذا ما تعارضت مع مصالحهم الخاصة أو العامة، حيث يتم نسيان وهجر كل ما يمكن أن يسمّى معرقلات لتحصيل ذلك، بل إنه يتم عزلها عزلاً مشدداً وكأنها ذات جرب ووباء لا يمكن معالجتها، وإن الطريقة الوحيدة للخلاص والنجاة منها هي إبقاؤها بعيداً جداً، ومع إننا عرفنا ذلك وسلمنا به لأنه أضعف الإيمان، ونظراً لانتشاره بشكل واسع في الحياة العامة، من خلال المشاهد والمرئيات والمحسوسيات والتجارب، لكن بالتأكيد لا يمكن الاقتناع والقبول بمبدأ تشارك المبادئ مع المصالح مع الرفض لها، أي من غير المنطقي الجمع بين الـ (مع) و الـ (ضد) لأن ذلك سيكون مربكاً للكثير من المتعلقات الأخرى المرتبطة بهذا الحال، إنني أقول بأنه لا يصح التلوُّن في المبادئ والأخلاقيات والمشاعوالعلاقات العامة والخاصة، بل يجب الالتزام التام بمبادئ القيم في المبادئ والأخلاق والسلوك ومناحي الحياة كلها دون تميُّز أو محاباة أو خجل حتى لا تفقد ميزة الحياة الجليلة، وحتى لا تفقد الحياة البيضاء النقية، وينخرط هؤلاء البعض في بكائية ندم لا ينفكّون من نصوصها المملة حيناً طويلاً من الدهر.
ramadanalanezi@hotmail.comramadanjready @