لن أدخل في النوايا؛ خاصة وأنا ممن عانى من سوء النوايا. الأمر هنا ببساطة؛ لا يحتمل استدعاء النوايا للحكم على ما هو ظاهر، وما هو معروف، عند من له سمع وبصر وبصيرة، ليدرك بذلك خفايا ما يسمع أو يرى مما يجري حوله، خاصة ونحن نعيش عصر النور، الذي بدد دجج الظلام، وأزاح الأوهام، وأنار سبل ذوي الأفهام.
ما إن وصلت جماعة الإخوان المصرية إلى سدة الحكم في مصر، وتحقق لها ما أرادت من تمكين في السلطة، وتسكين لأكثر من ثمانين مليون مصري، حتى تذكّرت أنها بحاجة ماسة إلى دعاة وافدين، من تلك البلدان التي ظلت وما زالت مصر ترفدها بالدعاة..! وما أكثر الدعاة الذين تخرجوا في جامع وجامعة الأزهر على مدى ألف عام وأكثر، وانتشروا على كامل رقعة الكرة الأرضية عربية وإسلامية ودولية، دعاة، ومرشدين، ومعلمين، وغيرهم، حتى أصبح منهم إخوان في كل قطر عربي، ينضوي تحت ألويتهم إخوان لهم من كل جزء من كل قطر عربي، فلا مزيد على مصر الكنانة في دين أو علم أو (إخوان في الله)..! حتى لو بلغ سكان المملكة ودول الخليج ذات يوم؛ أضعاف أضعاف سكان مصر، وهم الذين لا يزيدون في مجموعهم اليوم؛ عن ثلث سكان مصر، فكيف تفتقر مصر إلى دعاة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي..؟! أمثال القرني والعريفي وغيرهما، وهي بهذا الحال من المُكنة الدعوية، ومن الخبرة الطويلة، والكثرة الكثيرة، إلا إذا كان هناك ما يدعوها إلى الالتفات حولها، والاستعانة بمن يدعم مُكنتها السياسية، ويملأ خزينتها المالية..؟!
ما الذي يمكن لداعية من خارج مصر - خاصة مثل القرني والعريفي - أن يقوله في طلاب (حسن البنا، وسيد قطب، والهضيبي، والغزالي)، وغيرهم مئات.. بل ألوف مؤلفة، وهم من الصفوف الأولى لجماعة الإخوان، ومن الذين غرسوا بيننا ذات يوم في بلادنا؛ فكرهم، ونهجهم، وأسلوبهم في التحزب والعمل الحركي..؟!
كيف لم يعرف دعاتنا عبر عقود مضت؛ فضائل مصر، ومزايا مصر، ومسلمي مصر، وأقباط مصر، وعرفوها اليوم، مع (خيرت الشاطر، ومحمد مرسي)، وجماعة الإخوان الحاكمة..؟!
وإذا تحولت خطبة لداعية سعودي في جامع عمرو بن العاص بالقاهرة؛ من مجرد خطبة جمعة؛ إلى عرس وزفة، في صحف وقنوات فضائية، برعاية وتوجيه من الحزب الإخواني الحاكم، فلنا حق الاجتهاد في تفسير هذه التظاهرة الدعوية في هذا الوقت بالذات، لأن البلد المكتفية بالدعوة والدعاة، ليست في حاجة إلى استجلاب دعوة، ولا استقدام دعاة، إلا إذا كان في الأمر (إنّه)؛ لا (مِنّة) منها لطلاب كانوا ذات يوم في مدرستها الدعوية، وعلى مائدتها الحزبية.
لو كنت أعرف أن العريفي والقرني من هذا الحزب الإخواني لقلت: إخوان منا في المملكة، مع إخوان لهم في مصر.. لا غرابة في ذلك، لكن إخوان مصر الذين يحكمون اليوم، لا يشغلهم أمر الدعوة في هذا الوقت، ولا وقت لديهم لسماع الدعاة، فهم اختاروا العمل السياسي أخيراً، ولما وصلوا قصر عابدين بعد سقوط حكم العسكر، كانت خزائنهم خاوية على عروشها، والعودة إلى نغمة الدعوة والدعاة، ومن دول النفط بالذات، هي رسائل واضحة، أقل ما فيها أنها (ترغيب وترهيب) على ما يبدو.. أو لنقل: ابتزاز صريح صريخ، وفيها إعلان وإعلام، عن وجود غِراس إخوانية قديمة هنا وهناك، يمكن أن تُجدد، وتُحرك، وأن تستخدم في الوقت المناسب إذا لزم الأمر.
لا أظن أن العريفي ولا القرني ولا أي منتسب لحزب حركي إخواني في بلدان الخليج؛ يجهل حقيقة صلات جماعة الإخوان المسلمين بالماسونية العالمية، ولا علاقاتها واتصالاتها مع أميركا في السنوات العشر الفارطة على وجه التحديد. هذه معلومات مؤكدة وموثقة، من مستشار ومحامي إخواني منشق عن الجماعة؛ هو الدكتور (ثروت الخرباوي)، أوردها في الطبعة السادسة من كتابه: (سر المعبد.. الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين). الكتاب طبع في عام واحد (2012م) أربع طبعات، ويعرض لتفاصيل مدهشة، ومعلومات لا يصل إليها؛ إلا من دخل دهاليز الجماعة، وجال في معبدها السري، واقترب من صندوقها السحري.
من ضمن ما ورد في هذا الكتاب: أن الإخوان يتواصلون مع أميركا، ويستعينون بها منذ العام 2002م، من أجل الوصول للحكم، وأن من يقوم بهذا الدور هو (خيرت الشاطر وعصام العريان)، وهناك ممثل لهم في أميركا يوقع بـ(H.a)، هو من يتبادل الرسائل مع (خيرت الشاطر) الذي اسمه الحركي (Big).. الرئيس الكبير والهام. ومما قال الخرباوي في هذا الصدد: أنه رأى الفصل الثاني من علاقة الإخوان بأميركا في شتاء عام 2005م، ثم أورد تصريحاً لعصام العريان نشر بجريدة الحياة اللندنية قال فيه: (إن الإخوان إن وصلوا إلى الحكم؛ سيعترفون بإسرائيل، وسيلتزمون باتفاقيات السلام معها)، وهذه واحدة من شروط أمريكية مملاة، كي تسندهم في عملهم من أجل الوصول للحكم، وجاء ذلك بعد مفاوضات مع ممثل أمريكي لهذا الغرض، هو (د دبرونلي)، وآخر هو (مستر إيرلي).
هل بعد هذا وذاك؛ نجد من بيننا دعاة أو مفتونين بهذه الجماعة؛ مغشوشين بدعاياتها وشعاراتها الكاذبة؛ يتطوعون لتلميع صورتها، وخدمة أهدافها، والسير في ركابها..؟
لا أدري كيف يرضى بعض الدعاة الهرولة إلى مناطق مأزومة، ومضايق ملغومة..؟! وكيف يقبلون توظيف أسمائهم في أغراض ربما ضرت ببلدهم، ومست سمعة وطنهم، وشوهت من صورهم..؟
H.salmi@al-jazirah.com.saalsalmih@ymail.com