الاحتراف الرياضي «منتج مستورد» عجزنا منذ سنوات أن نتعايش معه أو نتقبله، على الرغم من نجاح تجربته في دول سبقتنا بسنوات طويلة، فهل الخلل في هذا المنتج «المستورد» أم في «فكر» من يطبقه في ملاعبنا؟؟!!
وبنظرة سريعة حول محور الجدل الدائم في مشروعنا الاحترافي نجد نفس «السيمفونية» تترد مع كل إخفاق لمنتخبنا السعودي والعزف على نفس «الوتر» بأن عقود اللاعبين في السعودية عالية مقارنة بالعطاء في أرض الملعب؟؟!!
أصوات تعلو وتطالب بتقليص «العقود» لكن الواقع لا يلتفت لها، فاليوم «بورصة» الاحتراف في السعودية المؤشر «أخضر» طالع فوق يكسر كل الحواجز، وكأن «سهم» الاحتراف لا يعدله شيء؟؟!!
هذا الاعتراض حول القيمة الرقمية لعقود المحترفين الرياضيين هل هو «حالة خاصة» بمجتمعنا السعودي أم أنه «ظاهرة عالمية» تتزامن مع أي تجربة احتراف جديدة؟؟!!
نحن شعب لا يختلف عن أي شعب يعيش على هذا الكوكب «الأرض»، فكل أصوات «الغضب» حول بداية تطبيق مشروع «الاحتراف الرياضي» في أي جزء بهذا العالم تتشابه في لغة الاحتجاج والاعتراض، لكن اللافت في هذه «القضية» أنه لم تنجح أي دولة أو شعب في مجابهة «الاحتراف الرياضي» فالعقود رقم يرتفع ولم يهبط، فهل نحن في «السعودية» سوف ننجح فيما عجز عنه الآخرون الذين استوردنا منهم هذا المنتج؟؟؟!!
عمر الاحتراف الرياضي في أمريكا 144 سنة، عندما ولد هذا المشروع في عام 1869م كأول تجربة احترافية في هذه الدولة بطريقة منظمة تشرعها قوانين، كان حينها متوسط دخل الموظف في أمريكا 170 دولارا سنوياً، ويعتبر هذا الرقم في ذلك الزمن مناسبا لظروف الحياة في تلك المرحلة، فاستيقظ الناس من نومهم على إعلان تأسيس فريق رياضي محترف ومتوسط دخل اللاعب الرياضي المحترف 930 دولارا سنوياً، موجة من الغضب اجتاحت الشارع الأمريكي فأضرب العمال وتعالت أصوات المنظمات الحقوقية ومسيرة احتجاجات طافت في كل جزء بأمريكا تطالب بإلغاء هذا المشروع الجديد «الاحتراف الرياضي»، فرفض القائمون على هذا «المشروع» ولم يلتفتوا لهم لأنهم يؤمنون بأن «الاحتراف» منتج يدر ذهباً وأموالا طائلة في المستقبل وهو كأي «مشروع تجاري» لحظة تأسيسه تخسر عليه كثيراً ولكن بعد سنوات سوف تجني أرباحا خيالية.
في دراسة العام الماضي حول العقود الاحترافية الرياضية والأكثر دخلاً بالعالم احتل «تايغر وودز» الأمريكي محترف لعبة «الغولف» الرقم واحد عالميا بمدخول قدر بـ100 مليون دولار ويتربع على عرش الرياضيين الأعلى دخلا في العالم منذ أكثر من ثلاث سنوات، فمجموع الجوائز التي حققها العام الماضي بلغت 13مليون دولار وجاءت الـ87 مليون دولار المتبقية من الإعلانات التجارية وأجور المقابلات الحصرية، ويدر اسمه على شركة «نايك» حوالي 600 مليون دولار في السنة وهي الراعي الأكبر والأهم لـ» تايغر وودز»، يذكر أن مبلغ 100 مليون دولار أمريكي يعادل 375 مليون ريال سنوياً، هذا يعني أنه يتقاضى أكثر من مليون ريال يومياً، تأمل كيف عقول الشعوب تتغير وتتبدل أمام هذا «المنتج القوي» قبل 144 سنة اعترض الأمريكان على دخل سنوي للمحترف الرياضي 930 دولارا، واليوم لا يعترض أي أحد على دخل سنوي يتجاوز 100 مليون دولار؟؟!!
لم ينكسر «الاحتراف الرياضي» في أمريكا، وأصبح اليوم من أحد أهم الروافد الاقتصادية في الدولة، وتغيرت قناعة المجتمع حول أرقام العقود ولن تجد اليوم أي صوت «يعترض» أو «يستنكر» على الرغم من أن العقود سجلت أرقاماً قياسية لم يشهدها التاريخ؟؟!!
لذلك من الطبيعي أن تجد في «السعودية» اليوم أصواتا تعترض على هذا «المنتج المستورد» الاحتراف الرياضي وكغيرها من الدول التي سبقتنا وسوف يأتي يوم ولن تجد أي صوت يعترض أو يستنكر، هي مسألة وقت لا أكثر حتى يتقبل الناس هذا «المنتج المستورد»؟؟!!
المشكلة الكبرى في احترافنا أن كل الأطراف من اتحاد رياضي وهيئة دوري المحترفين وإدارة أندية ولاعبين وإعلام وجمهور يتعاطون مع الاحتراف بأنه «مال» فقط، وهذا مفهوم خاطئ، فالاحتراف «فكر» يقودك إلى جني أموال وأرباح طائلة، فالفكر أولاً والمال ثانياً؟؟!!
يجب أن نعترف أن هناك خللا ما في «مشروعنا الاحترافي» ونحن استوردنا هذا المشروع ولم نطبقه كما تطبقه الدول التي استوردناه منها، ولكي لا نضيع الوقت في جدل «عقيم» حول أرقام عقود المحترفين علينا أن نحدد مكامن الخلل لأن أرقام العقود لن تنخفض «حتى لو حجت البقرة على قرونها»؟؟!!
يدر اليوم في السعودية اللاعب المحترف الأكثر دخلاً 7 ملايين ريال سنوياً، وحالة من الغضب في كل الشرائح من هذا الرقم، فماذا سنفعل عندما يكون دخله 375 مليوناً سنوياً فهل حينها «نلطم الخدود» و»نشق الجيوب» أم نبتسم حينها كما يبتسم غيرنا اليوم في الدول المتقدمة احترافياً؟؟!!
** هنا يتوقف نبض قلمي وألقاك بصحيفتنا «الجزيرة» كل سبت وأنت كما أنت جميل بروحك وشكراً لك.
i.bakri@live.comمبتعث دراسات عليا بالإدارة الرياضية - أمريكا - تويتر @ibrahim_bakri