لأننا مجتمع مفتوح على العالم من خلال ما لا يقل عن تسعة ملايين مقيم من الوافدين الذين يشاركوننا العيش في بلادنا في الوقت الحاضر، فإن معلوماتنا عن كثير من دول العالم لا تعدو أن تكون في كثير من الأحيان مجرد انطباعات تتكوَّن في أذهاننا من خلال بعض الأشخاص الذين نتعامل معهم، وهذا غير دقيق وغير عادل.
على سبيل المثال، يعتقد بعضنا أن الهند هي هذه العمالة البسيطة التي نستقدمها للقيام ببعض الأعمال اليدوية في قطاع المقاولات والنظافة والصيانة، مع أن الهند دولة نووية كبيرة وقوة اقتصادية عالمية تُحقق تقدماً كبيراً في مختلف أنواع الصناعات الحديثة بفضل كوادرها البشرية وجامعاتها ومراكز بحوثها.
إندونيسيا أيضاً ليست هي تلك العمالة المنزلية البسيطة، فبالرغم من متاعبها التنموية، فإنها تتقدم بسرعة بعكس العديد من الدول التي تأثرت بالأزمة المالية العالمية، وقد حققت بشكل متواصل خلال الفترة الماضية نمواً اقتصادياً بمعدل ستة بالمائة طبقاً لمجلة «فورن بوليسي» الأمريكية التي ذكرت أن من المتوقع أن تُواصل إندونيسيا نموها لتصبح سابع أكبر اقتصاد في العالم عام 2030.
وفي السابق كنا نعتقد أن كوريا هي تلك العمالة البسيطة التي كانت تعمل في شركات المقاولات وبناء الطرق، ثم اكتشفنا أن كوريا دولة صناعية متقدمة؛ وها نحن - مع بقية شعوب العالم - نتنافس على اقتناء منتجاتها الإليكترونية التي تفوقت على مثيلاتها الأمريكية والأوروبية وهزمتها في عقر دارها! وقد تكون كوريا هي نموذج نستشرف من خلاله مستقبل علاقاتنا الاقتصادية مع الدول التي نستقدم منها الآن العمالة.
قد يأتي اليوم الذي تصبح فيه التدفقات النقدية من بلادنا إلى إندونيسيا، مثلاً، أكبر مما هي عليه الآن، لكنها بدلاً من أن تكون تحويلات نقدية من العمالة المنزلية، قد تصبح قيمة السلع المتقدمة التي نستوردها من تلك البلاد عندما تصبح القوة الاقتصادية السابعة في العالم أو حتى قبل ذلك!
نحن بحاجة إلى الكثير من التواضع، ولا بد أن نُصحح معلوماتنا عن هذا العالم الذي نعيش فيه، وأن نعي أهمية ما تحققه المجتمعات الأخرى من تقدم، ونحن أيضاً بحاجة إلى نُعطي الآخرين الذين يعملون معنا هنا في بلادنا أفضل الانطباعات عن أنفسنا وعن بلادنا.
هي فرصة أن تكون بيننا كل هذه الملايين من البشر القادمين من جميع قارات العالم، كي نبني معهم جسوراً من الصداقة والإخاء الإنساني، وعلينا في كل مرة نرى فيها عاملاً بسيطاً مناضلاً من أجل لقمة العيش أن نُكْبِرَ فيه إرادة الحياة وقوة التحمل وأخلاقيات العمل، ثم نتذكَّر أن العمل هو وسام شرف طالما كان ذلك العمل شريفاً مهما كان نوعه ومستواه.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض