عندما قرأت أن أحد دعاتنا الأفاضل خطب خطبة تاريخية عصماء عن فضائل مصر وأهلها، فكرت في أن أجاريه، وأقترح مشروع خطبة لأي من خطبائنا الأفاضل، وأعني أولئك الذين تهمهم هذه البلاد، ويخرج من هذا بالتأكيد أولئك الخطباء، الذين لا يرون شيئا في هذه البلاد يستحق الذكر. هذا، مع أنهم يرون الفضائل في البلاد الأخرى، ويعايرونا بها، واللافت في الأمر أن هؤلاء لم يروا أي فضائل لمصر، لا في عهدها الملكي، ولا في عصور رؤسائها السابقين، فهم تذكروا فضائلها الآن، وعلينا أن نعذرهم، ففضائل مصر ربما نبتت للتو، ولم لا، ألسنا في موسم الربيع العربي!
حسنا، دعونا نعصر أذهاننا فلعل هذا يساعدنا على تذكر بعض فضائل هذه البلاد، وهل هناك فضيلة أكبر من مولد سيد البشر عليه السلام على ترابها؟، وقد عاش طوال حياته في مدينتين لا زالت هذه البلاد تتشرف بأنهما من ضمن أراضيها، ولذا فإن هذه البلاد تضم أطهر بقعتين يؤمهما أكثر من مليار مسلم، وهما المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وقد أنفقت هذه البلاد، ولا زالت تنفق المليارات لتوسعة هذين الحرمين، كما أنها تستضيف حجاج بيت الله الحرام، وتنفق ما لا نستطيع حصره في سبيل نجاح هذا الموسم، والذي يعتبر ركنا من أركان الإسلام، فهل هناك فضائل أخرى؟.
نعم، فهذه البلاد تؤوي ملايين العاملين من كل بقاع الأرض، خصوصا من العالم الإسلامي، ومعظمهم يعتمد على عمله هنا ليبني مستقبله هناك، ويساعدهم في هذا طيب معدن أهل هذه البلاد، ونقاء سريرتهم، وحبهم للآخر، فهم لا يحسدون أحدا مهما علا شأنه، ومهما كثرت أمواله، وهذه لعمري فضيلة كبرى لأهل هذه الأرض، ثم إن لهذه البلاد أفضال كثيرة على جيرانها، البعيد قبل القريب، فهي لا تتدخل في شأن أحد، كما أنها تساعد من يحتاج للمساعدة وقت الحاجة، كما أنها تستثمر ثقلها السياسي، والاقتصادي، والديني للمساعدة في فض النزاعات، وتقريب وجهات النظر بين الخصوم، في الوقت الذي يسعى فيه غيرها إلى خلق الصراعات، ومع ذلك فهي تنكر ذاتها، وترى أن هذا واجبها، فهل من مزيد؟.
هناك الكثير من الفضائل لهذه البلاد لدرجة أنه يصعب حصرها، ومع ذلك فإن البعض لا يراها، فهو مشغول في مراقبة منجزات الآخر البعيد، وفضائله، ولو قدر له أن يتحدث عن هذه البلاد، فهو بلا شك سيتحدث عن كل شيء، إلا الفضائل، فهو لا يرى إلا العيوب، والتي بقدرة قادر تتحول إلى فضائل في بلاد الآخرين، فالذي يرى سكنى المسلم بجوار المسيحي في بناية واحدة على أنها «فضيلة» في مصر، لا زال يرى أن سكنى المسلمين من طائفتين مختلفتين في وطن واحد، لا بناية واحدة، كبيرة من الكبائر، وهنا نختم بالقول بأن مثل هذا لا يرجى منه أن يخطب عن فضائل هذه البلاد، ولذا فإن مشروع هذه الخطبة متاح لغيره ممن يرغب في الحديث عن فضائلنا، وبلا مقابل.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2