تقوم الشفافية الدولية Transparency International (TI) وهي منظمة دولية غير حكومية يقع المقر الرئيسي لها في برلين بألمانيا، وتعمل على إصدار تقرير سنويّ أطلق عليه اسم (مؤشر الفساد)، وتعرف هذه المنظمة الفساد بأنه إساءة استغلال السلطة المؤتمنة من أجل المصلحة
الشخصية. ويتفاوت عدد الدول التي تشارك في التقرير المعلن سنوياً ففي عام 2003م قام التقرير بتغطية 133 دولة في حين كان عدد الدول التي قام بتغطيتها التقرير في عام 2007م 180 دولة.
ويلجأ البعض إلى الاستشهاد بمؤشر الفساد في تقييم مستوى الفساد في بعض الدول، والمشكلة العويصة أن هذا المؤشر نفسه يتعرض لانتقادات كبيرة ومن تلك الانتقادات الموجودة ضمن موقع ويكيبديا أن المؤشر يستخدم مسوحات للآراء العامة، كما أن الخبراء العاملين في مسوحات المؤشر هم غالباً من الاقتصاديين من الدول الصناعية وهناك مطالبة لإعطاء صوت أكبر ليمثل أسواق الاقتصادات الناشئة. ومن ضمن الانتقادات التي تعرض لها هذا المؤشر هو أنه يقوم أساساً على الاستفتاءات فقط والتي كانت نتائجها تعبر عن مستوى أقل في المصداقية للبلدان التي لديها مصادر معلومات أقل. كما أن هناك اختلافاً في تعريف الفساد بين الدول فما قد يُعتبر بقشيشاً مقبولاً في بلدان قد لا يكون كذلك في أماكن أخرى ويعتبر رشوة، كما أن المؤشر نفسة يوضح من سنة لأخرى التغييرات في ترتيب البلد ليست فقط بسبب تغيير الملاحظات حول أداء البلد، لكن أيضاً قد تنتج من تغيير العينات والطريقة المنهجية للعمل في المؤشر، كما إن بعض المصادر الموجودة في بعض الدول لا تقوم بتحديث معلوماتها ولهذا يتم إسقاطها عند عمل، كما انتقد مؤشر الفساد لأنه يقوم بملاحظة على مجموعة صغيرة ويرفض الملاحظة على نسبة أوسع من السكان ويشتكي البعض أن المؤشر يأخذ ملاحظات مجردة، وأن الأساليب المستخدمة في إعداد المؤشر لا يمكنها قياس الفساد المؤسسي.
ومؤخراً أشار المؤشر أن المملكة العربية السعودية قد تراجع مستواها في الشفافية الدولية إلى المرتبة 66 بعد أن كانت في عام 2011م في المرتبة 57، وقد أوضح مصدر مطلع لأحد الصحف أن ذلك ليس مؤشرا لزيادة الفساد في المملكة لأن مستوى الترتيب ليس خاضعا لمستوى زيادة الفساد فقط لأن هناك عوامل أخرى تؤثر في هذا الترتيب من ذلك عدد الدول المشاركة في التقرير ففي بعض السنوات يكون عدد الدول المشاركة 100 وفي بعض السنوات يصل إلى 150 دولة، في حين إن النقاط المسجلة على المملكة وهي 44 نقطة بقيت كما كانت العام الماضي مما يشير إلى أن مستوى الفساد كما هو ولم يتحرك.
وعلى الرغم من قيام الدولة رعاها الله بالعديد من الجهود في سبيل مكافحة الفساد مثل موافقة المملكة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وإصدار الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإصدار عديد من الأنظمة في هذا المجال، مثل نظام مكافحة غسل الأموال، ونظام المنافسات والمشتريات الحكومية، ونظام ديوان المظالم -المحكمة الإدارية- ونظام السوق المالية، وتنظيم هيئة حقوق الإنسان، بالإضافة إلى ما يجري من دراسة لمشاريع الأنظمة المتعلقة بهذا الشأن، مثل مشروع نظام حماية المال العام، وإعداد الضوابط اللازمة للإدلاء بإقرارات الذمة المالية، وأداء القسم الوظيفي، لبعض فئات العاملين في الدولة . فقد لاتظهر كل هذه الجهود والإصلاحات على ترتيب المملكة في المؤشر مما لايعكس أثر تلك الجهود على صورة المملكة دولياً.
ومع قناعتنا بوجود الفساد في وطننا وهو أحد أسباب إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وحتى لانجادل في معايير ونتائج مؤشر الفساد العالمي والأسس التي قام عليها والمنهجية التي من خلالها يتم إصدار نتائجه السنوية، فإنني أقترح أن تهتم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بإصدار مؤشر سنويّ للفساد في المملكة يوضع وفق أسس واضحة، ويشارك في وضعه كافة الجهات الرقابية الموجودة في الدولة، على أن يتم أثناء وضعه تلافي كل الانتقادات الموجهة لمؤشر الفساد الدولي، ونستفيد من الأخطاء السابقة، بحيث يكون لدينا مؤشر خاص بنا تتوفر فيه كافة المعايير المحايدة والمنصفة والتي توضح مستوى الفساد الموجود وهل هو في تراجع أم زيادة، فالداء عندما ينتشر في الجسم، فإن أولى خطوات العلاج هو تحديد موقعه وأسبابه ليتم وصف العلاج الملائم له.