** كلٌ يظنُّ بنفسه خيرًا، ولو علم غيرَ ذلك يقينًا واقتناعًا لبدّل وعدّل، ولكن نظرة المرء لذاته تختلف عن نظرة الآخرين إليه، وهذه بدهيةٌ، ولكن ما ليس بدهيًا الاحتماءُ كما الاحتفاءِ بآراءِ الآخرين عن الآخرين توصيفًا أو تصنيفًا؛ ما يلغي مدار العقل القادر على الفرز والتحليل والمحاكمة والحكم؛ فلا يعني ما يقوله «س» عن «ص» إضافةً قطعيةً بحقه كي يبدوَ هذا «الصاد» مقدسًا حينًا ومدنسًا حينًا آخرَ وَفق «القيل والقال» وفي ظلِّ عدم تكوينِ رؤىً متحررةٍ من التأثير المبالِغِ سلبًا كان أم إيجابا.
** كثيرًا ما نأسفُ على حكمٍ بنينا عليه موقفًا ضديًا أو معويًا من شخصٍ معينٍ حين جارينا ما قيل فيه أو عنه وتناقله الرَّكبُ المنطلقُ بالإشاعات والإذاعات، وربما «صنّمناه» أو «وصمناه «ولم ندعُ أذهاننا كي تقرأ الحقيقةَ دون تداخلاتٍ «غيريةٍ» ترفع وتضعُ وفقًا لحساباتِ الهوى المتأثر بعواملِ الشخصنةِ والتوجه الفردي وربما المؤدلج .
** لن ينسى- في مرحلة التكوين- أنه نأى عن أناسٍ واقترب من سواهم» بذواتهم أو صفاتهم» بفعل الدعايةِ الضاجةِ التي حذرته من هذا وأغرته بذاك، وتلافى تكرار الموقف حين اشتدّ، وما يزال مقتنعًا أن أصدق الأحكام ما نتجَ عن معايشةٍ مباشرةٍ عبر القراءة و التعامل ومبدئية المواقف، ويجزم أن الحاجة اليوم أشدّ بعدما استطاعت وسائل التواصل الرقميةُ العبور إلى منافذِ الإقناع بما تحمله من إلهابٍ للمشاعر وتغذيةٍ للمنابر وتبعيةٍ قطيعيةٍ للصوت النافذ.
** بات يسيرًا على كثيرين إطلاقُ الاتهامات جُزافًا و السيرُ بها بين الناس، وقد نصدق ما بثوه سواءٌ عمن ظنوا فيه سوءًا أومن هدروا بتمجيده؛ فإذا لقيناهما أدركنا النقيض فنأسى في الحالين حين أسلمنا عقولنا فسرنا في الظلام واشتركنا في المظالم .
** لو كان الأمر يمسُّ أفرادًا لهان الأمر قليلًا؛ فلم يسلم أحدٌ من قولٍ وتقولٍ لكن مساسه ببناءٍ مجتمعي و ثقافيٍ دون تحقيقٍ خللٌ تتكلفُ ثمنَه العامة، وقد تندفع أو تُدفع دون وعيٍ بالعواقب التي ستجرها وحدها لما يقتضيه الكُرهُ والتشرذمُ، ولا يجوز لمن يرى الإحنَ والفتنَ فيتثاءب.
** لا تجدي النوايا الطيبةُ ولا يكفي جلاءُ الحقيقةِ، وبالرغم من أن»رأي المرء في نفسه أهمُّ كثيرًا من رأي الآخرين فيه»- كما ينسب للكاتب النيجيري وول سينيكا- فإن الواقع يعطي يقينًا أن الإثارةَ هي المنحى الأكثرُ إيثارًا، والتوضيح والتصحيح لا مكان لهما؛ ما يفترض دورًا لعلماء النفس في تحليل الشخوص المَرَضيةِ الراتعة في مستنقعاتِ الهوى.
** النخبُ تنجو غالبًا من آثار ما توقده؛ فمعظمها ذو توجهٍ براغماتيٍ انتفاعي قادرٍ على الدوران باتجاه عقارب الساعة وضدها ملبسًا كل حالةٍ غطاءً وطنيًا وقوميًا نابضًا بالإخلاص والصدق والحرص على غد الجيل والأمة، فيما يسير العامةُ خلف رموزهم الذين يتراقص بعضهم فيرقصون معهم ثم يسقطون ولا تمتدّ الأيدي لإنهاضهم.
** الأفق المُغْبَرُّ نذير.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon