أخيراً.. تحقق الحلم ودخلت ثلاثون سيدة سعودية لمجلس الشورى، ليرفع ذلك نسبة المشاركة السياسية للمرأة في مجلس الشورى إلى 20%، وهي نسبة أكبر بكثير من الدول الخليجية والعربية وحتى بعض الأجنبية، وذلك لكون هذا الدخول تم عن طريق التعيين ونظام التخصيص (الكوتة) وليس عن طريق الانتخاب المباشر بواسطة المواطنين.
ويستخدم نظام الكوتة في العادة لمساعدة الأقليات العرقية مثلاً أو الجنسية لضمان تمثيلها، وفي حالنا فقد كان من الحسن استخدام هذا النظام لتذليل الكثير من الصعوبات الثقافية وبعض الممانعة الاجتماعية وربما الدينية في اشتراك المرأة في مجلس ينظر إليه كولاية عامة، وهو ما أرى أن به بعض المبالغة في تقدير دور المجلس الذي لا تتجاوز صلاحياته تقديم المشورة غير الملزمة لصاحب القرار، ولكنه بالتأكيد يستنير بها.
كذلك فإن فهم آلية صنع هذه القرارات الاسترشادية والتصويت عليها لا تجعل لأي عضو رجلاً كان أو امرأة القدرة على استصدار أية قرارات بمفرده، إذ أن المجلس يتكون من 150 عضواً منهم ثلاثون امرأة بواقع 20% فقط من هذا المجموع، ولكي تتم الموافقة على أي مقترح تتقدم به هؤلاء النساء فلابد من ضمان أن يصوت عليه أكثر من 50% من مجموع الأعضاء بما لا يجعل للمرأة أية ولاية عامة مفردة. رغم الاختلاف في تفسير ما ورد بخصوص هذا الأمر: انظر مقالة سهيلة زين العابدين في جريدة المدينة: ولاية المرأة وحديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» http://www.al-madina.com/node/425580 بأية حال سنتفهم تماماً قلق البدايات الذي لابد ستمر فيه زميلاتنا، وتخيل أنك تنتقل إلى بيت جديد في حي جديد بجيران غرباء ترتفع توقعاتهم منك لأنك مثلاً غني أو مشهور! فلنعطي هؤلاء السيدات كما يقولون قليلاً من الوقت ليلتقطن أنفاسهن ويتأملن تجربتهن من الداخل وطبيعة ومحتوى هذه التجربة حتى نبدأ في إطلاق الأحكام، كما يجب أن لا نفترض أن من تم تعيينه يعرف بالضرورة مهمات المجلس وأنظمته وطريقة عمله. حتى في أعتى الشركات وأكبرها يتعرض أعضاء مجالس الإدارت إلى الكثير من التدريب، وينفتحون على تجارب شبيهة، ويقومون بزيارات لمجالس عريقة توسع آفاقهم وتفتح أعينهم على ما يجري من ممارسات صارت تقليداً متعارفاً عليه في البرلمانات عبر تاريخها.
هل كان مهماً وصول هؤلاء النساء للمجلس؟؟ بعض النقاش الاجتماعي يدور حول مدى الأهمية لهؤلاء النسوة للوصول إلى مواقع هامة في الإدارات العليا في بلد تعاني أكثر من مليون ومائتين ألف امرأة فيه من البطالة (حسب بيانات حافز) 57% منهن من خريجات الجامعات. ماذا يعني أن تصل إحدى النساء إلى موقع نائبة للوزير أو عضوة في مجلس الشورى؟ المنافحون عن هذه الفكرة يذكرون بحقيقة أن مثل هذه المكاسب لا تمس الاحتياجات الفعلية للمرأة، ولن يتمتع بها إلا قلة قليلة من نساء وبنات وزوجات، لكنه لا يشكل مكسباً يحسِّن من أوضاع النساء عامة، ولا يحل مشكلات قائمة تعاني منها المرأة السعودية وتحد من تمكينها ومن قدرتها على الوصول إلى الخدمات المختلفة التي تقدمها مؤسسات الوطن، وفكرتهم أنه بدل أن نشغل أنفسنا بالنقاش حول من يدخل الشورى فالأجدى أن نوجه طاقاتنا إلى كيف نزيد من فرص التعليم والعمل والخدمات الاجتماعية التي يمكن أن تنتفع منها شرائح واسعة من النساء.
ورغم أن في ما يقولون الكثير من الحقيقة إلا أن مشكلة تمكين المرأة في مجتمع منفصل كمجتمعنا يكمن تماماً في كونها كانت ولا زالت بعيدة عن صنع القرار، ويكفي أن نعرف أن معظم من يعملن في مؤسساتنا العامة مثل الجامعات والوزارات وحتى في القطاع الخاص كالبنوك لا يمتلكن إلا النزر القليل من الصلاحيات والتي تعتمد أيضاً ليس على ما هو مكتوب من إجراءات للعمل داخل هذه المؤسسات بل على أريحية الرجل الذي يعملن تحت إدارته ومقدار انفتاحه ودعمه للمرأة، فإذا كان داعماً للمرأة وقادراً على التحلل من أطر فكره التقليدي تجاهها ففي العادة يعطيها بعض الصلاحيات، لكن هذه الصلاحيات نفسها يمكن أن تسحب مرة أخرى لو تحرك هذا الداعم من منصبه وجاء من يفوقه تصلباً وتشدداً، وهكذا دواليك.
وفي هذا الصدد أوضحت عدد من الدراسات التي كان هدفها فهم آليات العمل ومقدار السلطات الإدارية والمالية والأكاديمية الممنوحة للنساء داخل المؤسسات العامة التي يوجد فيها الرجل فوق وتوجد المرأة كتابعة مثل الأقسام النسائية في الوزارات والإدارات الحكومية والجامعات (ما عدا جامعة الأميرة نورة كجامعة حكومية نسائية وبعض الجامعات والكليات الأهلية في جدة كجامعة عفت ودار الحكمة)، حيث توصلت هذه الدراسات إلى تأثير الكثير من العادات والتقاليد المحلية السائدة في عادات العمل المتبعة داخل هذه المؤسسات ومقدار السلطات الممنوحة للعاملات فيها، حيث يلعب الرجال دوراً رئيساً في «منح» أو «منع» بعض أو الكثير من الصلاحيات تبعاً لأدلجتهم الفكرية وخلفياتهم العلمية والاجتماعية، وأقرت معظم المشاركات في بعض هذه الدراسات أن وجودهن مظهري ورسمي لكن معظم القرارات المالية والإدارية يتخذها الرجال الذين يديرونهم!.
لا يمكن للمرأة أن تؤثر في صنع القرار وهي ليست في موقع صنع القرار.. لا يمكن للمرأة أن تتحرك إذا لم تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية التي يتطلبها إدارة أية منشأة عامة أو خاصة وبهذا يكون وصول المرأة إلى الشورى احد وسائل التمكين التي تجعلها مؤثرة في صنع هذه القرارات وربما يؤدي تدريجياً إلى منح المرأة داخل مؤسساتنا التقليدية مزيداً من الصلاحيات بدل هذه الأطر الديكورية التي يعملن من خلالها.
همسة أخيرة لإدارة الجوازات: أرجو أن «لا تفشلونا» بإرسال رسالة تنبيه إلى زوج أو ولي أمر عضوة مجلس الشورى في كل مرة تغادر فيها البلاد. سيكون من طبيعة عملهن السفر والتنقل والالتقاء بوفود كبيرة في البرلمانات المشابهة ولا نريد أن «تنكدوا عليهن» بهذه الرسائل المهينة فإذا كنا منحناهن الثقة ليصوتن على صنع قرارات اقتصادية واجتماعية وتعليمية فكيف لا يمتلكن حق التنقل بذواتهن؟؟؟!! (انظر مقالتي: المرأة بين قبضة ولي أمرها والجوازات).