لا يختلف اثنان ان سبل التواصل الاجتماعي اصبحت من نعم الله في تقريبها واختصارها لتحقيق الاتصال السريع عبر التقنيات الحديثة التي اصبحت في متناول الايدي في هذا العصر مع ما سيتبع من اختراعات اكثر في هذه المجال، لم تحظى الاجيال السابقة بمثلها من اماكنات في كل ما يتعلق بالمعلومة ان كانت شخصية أو عامة، أو في مجال العمل أو لمعرفة احوال الاقارب والاحبة أو لتبادل الآراء والخبرات وغيرها.
هذا كله متفق عليه، لكن الامر تجاوز الحدود واصبحت هذه الوسيلة في يد من لم يكن قادر على امتلاكها سابقا ليتعامل بها مع من لا يستحقها، وانطبق عليها المثل الشعبي (وجه مغسول بمرق) والذي يطلق على من ليس بوجهه حياء ولا يخجل من ان يقول ما يشاء في كل مجلس يحضره قليلاً في عدده أو مستوى فكر اصحابه وبين مجالس الادب والثقافة والحوار الحضاري، هذا الواقع يعلمه الجميع ويشاهده كل من لامست انامله محركات تلك المواقع أو السبل قراءة أو كتابة، توقعنا ان تكون تلك الصفحات والنوافذ المتاحة للجميع فرصة لتلاقح الافكار وحضور العقول المتعقلة لا ان تكون مساحات للشتم والاساءة والنقد اللاذع، يقابله مديح زائف واعجاب يكشف تفاهة المتعامل به مع من يكال له المديح لمجرد ان من وجهت له تلك العبارات الهزيلة في صياغتها المغلفة للمعاني لا تخفى على القاريء.
هذا وغيره من واقع الفيس بوك أو التويتر، نجدها في مجال من مجالات الحياة ومنها ما يعنينا اليوم (الفنون التشكيلية)، فقد اصبح في تلك الصفحات نقاد ومحللين للاعمال الفنية مع عدم امتلاكهم أي من مقومات النقد، يتلقفون أي شاردة أو واردة من اللوحات المنشورة ليمنحوها الامتياز ويمنحوا من قام برسمها اوسمة التميز، وتتضح مستويات المديح بين جنس واخر فللفتيات نمط من العبارات الأكثر عمقا في اختيار الجمل (الرومانسية) وللشباب نمط اخر اقل اندفاعا يشوبها المجاملة، لم ارى يوما راي فيه من التوجيه او الاشارة الى خطأ ما، ومنها ان نشرت احدى المشاركات في تلك الصفحات لوحة منقولة بشكل سيء اساء للعمل الاصل لفنان عالمي ليس له انتشار كبير في محيطنا قبل الانفتاح على مثله من خلال الانترنت، هذا العمل المنقول ولكون ناقلته فتاة، تلقى من الإشادات ما يفوق ماتلقاه الفنان الاصل.
أضيف أخيراً أن من الجوانب الأخرى ما تطالعنا به تلك الصفحات من نرجسية بعض الفنانين وحشر عبارات الثناء على أنفسهم وإعادة التذكير بتاريخهم فانعكس هذا التصرف سلبا عليهم إذ أصبحوا مثار تهكم وازدراء القراء ومللا مما يتكرر من مثل هذا الاهتمام بالذات، فقليل دائم خير من كثير ممل وزائل.
العجيب في الأمر أن الكثير من الأسماء التي تمتلك من الثقافة والخبرات في مجال الفنون التشكيلية أكاديميين وغيرهم التي يستفاد منها بعيدين عن هذا الجو أو الواقع وتلك السبل، وهم بذلك معذورون فالمقام لا يستحق العناء.
monif.art@msn.comفنان تشكيلي