أخذني الفضول يوما إلى ذلك الإعلان الصغير في إحدى الصحف المحلية والذي تضمن عبارة: «مغسلة ملابس للتقبيل.. نؤمن لك دخلا شهريا ثابتا»! قلبت إدراكي الحسي والمعنوي لكل ما تضمنه المنشور بهدف الوصول لما يقصده المعلن لكنني فشلت..
قررت الاتصال بالرقم المدون فأجابني صوت بلهجة يمنية وفي النهاية تم التوصل إلى المعنى الذي في «بطن» الإعلان الذي أدهشني بعد ذلك في وضوحه تجاه المجاهرة بـ «التستر التجاري» في بلدي.
هذا «التستر» يتمثل في قيام التاجر السعودي بتجهيز المحل التجاري أيا كان نشاطه ومن ثم تمكين العامل «الوافد» من البيع والشراء وممارسة النشاط التجاري لحسابه الخاص أو بالاشتراك مع غيره «يسرح» من خلال استخدام اسم أو ترخيص أو السجل التجاري الخاص بالمواطن، وذلك مقابل مبلغ مقطوع من المال «دخل ثابت» يعطى للمواطن نهاية كل شهر دون أن يقدم مقابل ذلك أي جهد ودون أي تدخل، لدرجة أن الوافد هو من يفاوض لإتمام عملية البيع أو التقبيل.. طبعا المحل محله!.
وللأسف هناك نسبة ليست بالقليلة من السعوديين ممن ينجرون وراء تلك العمالة الوافدة ويسلمون «رقابهم» قبل هوياتهم لاستخدام أسمائهم أو أسماء زوجاتهم أيضا لاستخراج سجلات تجارية أو استئجارها منهم لممارسة النشاطات التجارية المختلفة واستقدام أبناء جلدتهم عن طريق إغراء «المتستر» بالحصول على مبلغ مالي زهيد نهاية كل شهر، وربما فئة معظمهم من غير المتعلمين وينقصها الوعي بخطورة هذا العمل.
هذه «الجريمة التجارية» لها آثار سلبية تتمثل في خلق منافسة غير مشروعه للمواطن الجاد لاسيما أصحاب المشاريع الصغيرة، وكذلك زيادة حالات الغش التجاري كون المتستر عليه يسعى إلى تحقيق أقصى ربح في أقصر مدة ممكنة دون أدنى اعتبار لجودة المنتج أو مصلحة المستهلك، فضلا عن تحويل معظم الأرباح الناجمة عن تلك الأنشطة التجارية التي تقع تحت التستر إلى الخارج ولا يستفيد منها البلد إطلاقا.
ربما يكون قد سبقني الكثيرون من المتخصصين إلى تناول ظاهرة التستر التجاري بهذا الشكل أو غيره، لكن السؤال المهم، هل حزمة الإجراءات التي اتخذتها وزارة العمل تجاه مشروع التوطين ستعالج هذه الظاهرة؟ أم ستزيدها تعقيدا؟ على اعتبار أن الأولى من مهام «العمل» ومكافحة التستر تنضوي تحت «التجارة».
في رأيي أن القضاء على «التستر» ربما لا يحتاج إلى تقديم الحلول الخيالية والوصفات الجاهزة، وإنما رصد وتحليل كافة أنواع التستر الموجودة في المجتمع والعمل على تشخيصها بشكل دقيق بهدف البحث عن الحلول الناجعة لذلك، لأن الانطلاق المبني على معطيات الواقع بكل تفاصيلها هو الانطلاق الذي ترتجى منه وضع الأشياء في مسارها الصحيح.
a.anazi@al-jazirah.com.sa@alionazi