الحديث عن نفوذ إيراني في اليمن قديم، إذ لم تعد المحاولات الإيرانية الساعية إلى التغلغل في اليمن، أمرًا خفيًا على أحد، أو أنّه يحتاج إلى كثير من المهارة؛ لرؤية ملامح هذا النفوذ، انطلاقًا من أهمية موقعها الإستراتيجي، واستهدافها لدول الخليج العربي، أسوة بما تَمَّ في لبنان، والعراق، وغيرهما من الأماكن، التي ينشط فيها التواجد الإيراني، وذلك بما يتماشى مع أطماعها الإقليميَّة من جهة، ومن جهة أخرى، العمل على زيادة نفوذها في منطقة البحر الأحمر، والبحر العربي، وخليج عدن، - وبالتالي - فإن إيران تريد زيادة نفوذها الإقليمي في اليمن؛ لتعوض على أقل تقدير نتائج خسائرها الكبيرة، التي ستَتَعرَّض لها جرَّاء سقوط النظام السوري.
وهذا السيناريو أكَّد عليه -سفير الولايات المتحدة في اليمن- جيرالد فايرستاين، في مؤتمر صحافي عقده - قبل أيام -، من أن الولايات المتحدة الأمريكيَّة قلقة جدًا من إستراتيجيَّة إيران في اليمن: «والتي تعمل؛ لزعزعة الاستقرار في اليمن، وبِشَكلٍّ أوسع في المنطقة».
هذا النفوذ الذي تمارسه إيران، يصب في دائرة الصراع الإقليمي، والدَّوْلي على اليمن، ما يعني أن لِكُلِّ من تلك الأطراف مآربها في البلد، وإن كانت متفاوتة في الأهمية، والحجم. الأمر الذي أسهم في دخول إيران إلى خطّ هذا الصراع، في بلد مليء -مع الأسف- بالأزمات الداخليَّة، سواء كانت أمنيَّة، سياسيَّة، أو اقتصاديَّة. وهو ما يؤكِّد التقاء مصالح غير متفق عليها بين تلك الأطراف.
عودة الحديث هذه المرة عن النفوذ الإيراني، يتزامن مع مؤشرات واضحة، ودلائل فاضحة، فالتيار الإيراني التخريبي في اليمن، يعمل منذ سنوات عديدة، ومن أبرز هذه التدخلات العبثية: دعمها الكبير لجماعة الحوثيين في الشمال؛ حتَّى تمكنوا من السيطرة الكاملة على -محافظة- صعدة، وأجزاء من -محافظتي- حجة، والجوف، إضافة إلى تحالف إيران مع بعض الفصائل في الحراك الجنوبي.
والملاحظ في الفترة الأخيرة، ازدياد النَّشاط الإيراني داخل الأراضي اليمنية، وذلك من خلال قيام الاستخبارات الإيرانية بتوفير الدَّعم اللوجستي، والمالي لعملائها، -في حين- يشرف الحرس الثوري الإيراني على العمليات الميدانية للجواسيس، والخلايا النائمة.
كل ذلك؛ من أجل نقل معركتها مع الولايات المتحدة الأمريكيَّة من سوريا إلى اليمن، بعد أن تيقنت طهران من سقوط حتمي، ومرتقب لحليفتها في دمشق، بل إن الدكتور عبد الله الفقيه، وهو أستاذ العلوم السياسيَّة في جامعة صنعاء، يذهب إلى أبعد من ذلك، عندما يؤكِّد بأن «إيران تسعى لخلق منطقة نفوذ في هذا الجزء المهم من العالم -بأيِّ ثمن-، حتَّى وإن تطلب الأمر مد جسور التواصل مع القاعدة، التي يمكن أن تمثِّل حليفًا مرحليًا مهمًا، يشاركها الأجندة -ذاتها-، وإن اختلفت الأهداف».
وحتى لا تنشغل إيران بحصاد نتائج عبثها المقيت، فإنَّ التصدّي للمخططات الإيرانية، التي تمارس بأدوات محليَّة، ممَّن يتلقون دعمًا ماديًّا، ومعنويًّا من إيران؛ لتنفيذ مخطَّطاتها، وأجندتها، بات حقًا مشروعًا، وإلا ستدخل اليمن في صراعات، ومخاطر الانشقاق الداخلي، وتقسيم الجغرافيا اليمنية إلى دول متناغمة، وستنعكس تلك الأوضاع سلبًا على المنطقة العربيَّة -برمتها-، وحتى نحسب الأمور وفق ميزان واقعي، فإنَّ بناء نخبة سياسيَّة استنادًا إلى المبادرة الخليجيَّة، سيقضي على المخطط الحوثي الإيراني، والمتمثِّل أساسًا في إيجاد صراع «سني - شيعي»، وزرع العداء بينهما، -وبالتالي- وقف مخطط تقسيم اليمن؛ من أجل الوصول إلى حالة توافق بين مختلف القوى السياسيَّة، يعقبها في المرحلة الأخرى، قيام مؤسسات دستورية، تحافظ على سيادة، ووحدة اليمن، وتمنع التدخلات الخارجيَّة، وعلى رأسها: مواجهة الأنشطة الإيرانية.
drsasq@gmail.com