في هذا الوقت الذي نعيش فيه أزمة “ألقاب”، صار الحصول عليها من أبسط ما يكون، إذ إن لقب الـ”دال” صار يُشرى بثمنٍ بخس، من جامعات وهمية ومزورة تغيب فيها نداءات الضمير!
لكن الأخطر في التأثير على المجتمع، وتوجيه العقل المجتمعي المتاجرة بالدين، إذ من بين كل الألقاب يحضر لقب “شيخ” كأكثر خطورة، لما يترتب عليه من نتائج لا يمكن حصرها ولا في عشرات المقالات، إلا أن ذكر أبرزها يأتي هنا حسب تصنيف الضرورة. فهذا اللقب هو من أسهل الألقاب التي من الممكن الحصول عليها، فأدوات اللقب هي مجرد شكل خارجي (لحية طويلة - ثوب قصير) ومحاولة الفوز بمنابر يتمكن هذا الشيخ -الشكلي- من استقطاب مريدين ومؤيدين يستخدمهم متى ما دعت الحاجة السياسية لهذا!
كان قد صدر قبل حوالي عامين، تعميما من وزار الثقافة والإعلام بعدم تلقيب أي شخص بـ”شيخ” عدا مشايخ الدين وشيوخ القبائل. وهذا التقنين جيد حتى لا يكون هذا اللقب متاحاً لمن لا يستحقه، لكن الأهم هو توصيف شيوخ الدين المستحقين لهذا اللقب، لأن هذا التوصيف وإطلاقه على من يستحق سيُحدث تغييراً في الفكر الديني المبني على العاطفة لدى المجتمع، هذه العاطفة جعلت منه مجتمعاً غير مميز للفكر الديني النقي، ولا ننسى أن مرحلة “الصحوة” التي قامت على يد الإخوان المسلمون في مجتمعنا، وسيطرتهم آنذاك على كافة المنابر والمؤسسات الحيوية، جعلت تمرير الأفكار التي يرفضها المنهج السليم من أسهل ما يكون، وبقيت قابعة في العقل المجتمعي إلى اليوم، فالعاطفة الدينية تجبر الناس على احترام وتقدير وتوقير كل ما يظهر بهيئة دينية، ولا يلامون في ذلك، إنما تُلام المؤسسات التي ابتعدت عن توعية الناس وتوضيح المنهج الصحيح لهم، وأن ليس كل من قام بتربية شعر وجهه نناديه “شيخًا”، وهذا ما أربك الداخل الوجداني، وهو ما أساء لسمعة مشايخنا داخليًا وخارجيًا. ولن أتوانى هنا عن التصريح بمدى الحرج الذي يواجهني شخصيا، عندما ألتقي بمن يسأل أو ينتقد في الخارج أو عبر مواقع الإنترنت، كمن يقول عن مشايخ السعودية متهكماً أنهم أفتوا قتل الميكي ماوس! ماذا يمكن أن يكون الرد في هذه الحالة؟ كيف تُقنع هذه الأطراف أن هؤلاء ليسوا مشايخنا الثقاة، إنما هم مجرد وعاظ ارتدوا العباءة الدينية، وتخفوا تحت الشكل السلفي ليمرروا هذا المنهج السياسي الذي يبتعد عنه مشايخنا، لأن همهم الأول والأخير هو الدين الإسلامي نقيًا بلا أي أجندات!
الأدهى والأمر، أن نجد من يقول: مشايخ السعودية معترضون على عمل المرأة وذهبوا في حملة احتسابية إلى وزير العمل؟ أو القول بأن مشايخ السعودية يقبعون خلف قضابين السجون! إن هذا هو الهراء بعينه، فما رأينا من مشايخنا من يقوم بهذه الأفعال الهزلية، وما كان توصيف “الإرهابيين والمتطرفين” بمشايخ إلا لتضليل الناس وكسب تعاطفهم، والمؤسف أن هذا فعلا ما حصل! من هنا وجب توضيح الأمور التي تم تضليل الناس بها تحت شكل المشيخة الخارجي، الذي جعل -البعض- يعتقد أن من ينتقد تجار الدين هو ضد الدين وضد الدعاة، وهذا الأمر غير صحيح، فقد نجحت هذه الفئة في اكتساب التأييد لدى بعض البسطاء من غير المدركين. وكما ذكر الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، في توصيفه للإخوان المسلمين: “إذا رأوا من يعرف منهجهم ويحذر منهم يقومون باتهامه والكذب عليه وقذفه، ويشنعوّن عليه حتى يصدوا الناس عنه!”، وهذا ما حصل فعلا عندما يأتي من يتهمني أو يتهم غيري بأننا ضد الدين، وهذا بسبب الحملات التشويهية التي تقوم بها هذه الفئة ومؤيدوها، كفانا وإياكم وهذا الوطن شرورهم!
www.salmogren.net