نجلد ذواتنا على تقصيرنا العائلي.. وكيف أن أبناءنا كبروا أمام أعيننا فجأة ولم نستمتع بهم.. ونلوم أنفسنا على أننا لم نتعرّف عليهم بشكل كافٍ حينما نكتشف أن معرفتنا بهم سطحية.. ونتعلَّل عن تقصيرنا الاجتماعي باستغراقنا في العمل.. ونحس بالذنب لأننا لانشغالنا حَوَّلنا بيوتنا إلى فندق نأتي إليه للنوم.. وننزعج وترتبك أمورنا لو طُلِب منا أداء واجب عائلي أو اجتماعي سوف يقتطع جزءاً من وقت عملنا.
هناك من يرى أن ملامة النفس وجلد الذات بسبب التقصير العائلي والاجتماعي ما هي إلا دعوة للكسل والتفريط تؤدي إلى التخلف والفقر.. ويقولون: انظروا إلى حال المجتمعات التي تفاخر بإدمانها للعمل كاليابانيين وقارنوها بالمجتمعات التي تفاخر بترابطها الأسري والاجتماعي لكن شبابها يعانون البطالة!
تكامل الإنسان من عقل وصحة وعلم يدفعه إلى السعي.. والسعي دعوة مفتوحة لكل من لديه روح للركض وبأقصى سرعة ممكنة فلا يحد من هذا الاندفاع سوى عجزه عن الركض أسرع.. لذلك فاقتطاع وقت العمل ومنحه للحقوق العائلية والواجبات المجتمعية يراه كل من يركض في هذه الدنيا بأقصى طاقته إعاقة له.
يقول الخبير الإداري المعروف نسيم الصمادي: (إن السعي للتوازن في الحياة ليس مستحيلاً فقط، بل ضار بالعمل والإنسان معاً).. وبقدر ما يدون هذا الكلام حقيقة واقعة إلا أننا دائماً نلوّثها ونتذمر منها ونحذّر عنها.. وفي هذا تضاد مع العقل والمنطق.
من أبرز صور التوازن في الحياة قولهم: يجب ألا يطغى العمل على الحياة الاجتماعية ولا تطغى الحياة الاجتماعية على الحياة العملية.. والثانية: لا تأخذ مشاكل البيت إلى العمل ولا مشاكل العمل إلى البيت.. وهذان أمران في غاية الصعوبة.. فلا بد أن يطغى العمل على الحياة العائلية والاجتماعية إذا كنت ناجحاً في عملي وأريد أن أنجح أكثر.. أما أن أفصل بين البيت والعمل فهذا خارج إرادة الفرد.. والذي يقول بقدرته على ذلك فهو آلة وليس إنساناً.
وعلى الرغم من كثرة أدبيات ذم عدم التوازن إلا أن المجتمعات بشكل عام تشيد بالناجحين حتى لو ضعفت صلاتهم العائلية والاجتماعية.. كما تذم الفاشلين حتى لو توسعت تلك الصلات.