فكرة أن يكون التعليم في المدارس بلا كتب ورقية كما حدث في اليابان وأشرت إليه قبل أمس الأول، فكرة تناسب مفرزات، ومنجزات، وتوقعات الراهن، وتتماشى مع حركة التغير في الوسائل المستخدمة في الشأن التبادلي بين الإنسان، وما يربطه بالخارج عنه، يتلقاه، ويتفاعل معه.. وهي تحد جميل مع الحياة..
الفكرة المقابلة، وتلح هي ما مصير التوثيق بعيد المدى..؟ والديمومة لما تستوعبه في حال أن الوسائل الإلكترونية شبيهة لحد ما بالتركيبة البشرية..؟،
فالذاكرة البشرية وعاء غير ملموس وتحفظ بقدرة، ومشيئة الله كل ما فيها، ولها زمن، وحالات، تنتقي، وتستوعب، وتراوح بينهما.. كذلك فذاكرة الورق وعاء استخدمه الإنسان، وحتى الآن ثبتت مصداقيته معه لبعد زمني طويل..،
لكن الذاكرة الإلكترونية، وطرق الحفظ في الأجهزة التي صنعها عقل الإنسان منها، لا ترقى لمستوى ما خلق الله، وهي ليست موضع ثقة تامة في الإبقاء، والحفظ، لما يوثق بها، وعنها، والدليل وقوع الناس كثيرا في مآزق فقد وثائقهم فيها بطرق عديدة، ومختلفة، وعليهم حفظ مستنداتهم في أوعية تخزين صنِّعت خارجة عنها لجميع الأجهزة باختلافها... إذ هناك الاختراق، والفيروسات، وعطل الوسيلة..، على الرغم من إيجاد جميع البرامج التي تبتكر للحماية.. يظل هناك ما يقلق في أمر حفظ كل مستند للمرء يودع فيه ما تخطه يده وينتجه عقله..،
ولنا أن نتخيل طلبة تتعطل أجهزتهم في مواقف محرجة، ومصيرية، أي عطل في قرص تخزين، أو ملف درس، أو موقع مرجع، أو لحظة اختبار، أو إعداد واجب، أو إجراء بحث...!
مع كل ما قدمته البشرية من منجزات فائقة السرعة، والدقة، والعون للإنسان..، يستفيد لها من مقدرات نعم الله التي وهبه إياها من عقل يفكر، ويبتكر، ويصنع ما يهيئ للحياة وسائل تواكب تطلعاته، ونجاحاته، وتطوره على الأرض، إلا أنه في شأن الكتاب التعليمي، والفكري، والعلمي، والإبداعي، لا غنى له عن الورق لأنه حتى هذا اليوم، في هذا القرن لم يصنع ما يضاهي الورق في شأن حفظ ما يسوِّده فيه من حروف، وأعداد.. ونحوهما..!..
فذاكرة الورق الصامتة ليس لها صفة من صفات المتحرك في الإنسان، فهي جامدة لا تنتقي، ولا تلغي، وإنما تحفظ عجماء ما يودعه المرء بها دون مساس ذاتي لها بأي نقطة حبر في مكنونها من الكلمة، والجملة، والعبارة، وكل التراكيب..
ذلك يعكس المدى البشري في قدرة الإنسان ذات الحد..،
فيما تعكس الوسائل الحديثة طموح البشر بما وهبهم الله من قدرات.. تجعلهم في الحياة ذوي تجارب لكنها في النهاية ليست على قرار...
ولا ما يماثل تطابقا، وتماثلا، ما خلق الله في الإنسان ذاته،... وهو العاجز عن بلوغ غاياته منه ذاته، جسدا، ونفسا، وعقلا، وروحا..
تبارك الله خير الخالقين..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855