تعرف الدول أن بعضاً من الدبلوماسيين العاملين في سفارات بلدانهم في الخارج يهتمون بجمع المعلومات وإرسالها إلى بلدانهم للاستفادة منها في تحديد مواقفهم السياسية والاقتصادية؛ ولهذا فقد تعارفت الدول على غض النظر عن نشاط الدبلوماسيين في جمع المعلومات، إلا أن هناك خيطاً رفيعاً بين جمع المعلومات المتاحة والتجسس، والفَرْق هنا يتلخص في سلوك الدبلوماسي الذي يُعِدّ عمله في جمع المعلومات ودراسة أوضاع البلد الذي يعمل به من خلال ما تتناوله وسائل الإعلام ودراسة المتغيرات في المجتمع، أما أن يتسلل إلى أجهزة الدول ومراكز المعلومات ويجنّد مواطني البلد الذي يعمل به لإمداده بأسرار البلاد فذلك هو المحظور. أما الخطورة الأكبر فهو أن يعمل الدبلوماسيون المعتمدون في تلك البلدان، الذين يعد عملهم الأساسي تعزيز العلاقات، على تشكيل خلايا إرهابية، ونشر الفوضى والإخلال بالأمن والاستقرار، عندها يتحول الدبلوماسي إلى إرهابي بثوب دبلوماسي، وهو ما يدفع الدول المتضررة من هذا العمل إلى إبعاد ذلك الدبلوماسي، وعادة ما يذكر أن سبب الإبعاد قيامه بأعمال تتعارض مع مهامه الدبلوماسية.
ومع كل الضوابط والاحتياطات التي تقوم بها الدول لضبط البعثات الدبلوماسية إلا أن العديد من الدول، خاصة ذات التوجهات الأيديولوجية، حتى التي لها أهداف وأطماع سياسية وعسكرية واقتصادية، لم تترك هذا العمل، بل تجعل ذلك من صميم أعمال الدبلوماسيين، بل إن كثيراً من السفارات لتلك الأنظمة بمنزلة محطات تجسس، ومراكز استخبارية، تُشرف وتوجِّه جواسيسها، سواء من الدبلوماسيين الذين يعملون بها أو مَنْ يجندوهم من مواطني البلد الذي يعملون به أو المقيمين، وجُلّهم من أصول البلد الذي تنتمي إليه السفارة، وهؤلاء يمكن أن يكوِّنوا تشكيلات إرهابية، تقوم بأعمال تخريبية، وتجمع المعلومات التي تضر بالأمن الوطني للبلد، وتؤثر في أوضاعه الاقتصادية.
في الحرب العالمية الثانية كانت دول الحلفاء تجند جواسيس في دول المحور؛ ما اضطر تلك الدول إلى جمع المشكوك في أمرهم في معسكرات احتجاز خوفاً من تفشي ما كان يطلقون عليهم بـ(الطابور الخامس).
الآن، وفي هذا العصر، خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة، نشطت إيران بعد وصول تلاميذ خميني إلى سدة الحكم، فهؤلاء الذين يتبنون نظرية ولاية الفقيه يعتبرون أن مهمتهم هي توسيع حاكمية ولي الفقيه في أرجاء العالم بوصفه وكيلاً للإمام الغائب، والدفاع عمن يؤمن بهذه النظرية؛ ما يعني إعطاءهم الحق في التدخل في الشؤون الوطنية لأي بلد في العالم، خاصة في الدول الإسلامية؛ ولهذا فقد تعددت أذرع ومؤسسات التجسس وجمع المعلومات وتنفيذ أعمال الإرهاب والتخريب، ونشر العديد من الجواسيس في سفارات النظام الإيراني من خلال وزارة الاستطلاعات (المخابرات)، التي ترتبط بمرشد الثورة الإيرانية، وتأخذ تعليماتها منه مباشرة.
وإضافة إلى وزارة الاستطلاعات هناك فيلق القدس المختص بتنفيذ المهام والأعمال الإرهابية في الدول المستهدفة. وتذكر مصادر على اطلاع بنشاط المخابرات الإيرانية أن هناك أكثر من 30 ألف جاسوس إيراني يعملون في السفارات الإيرانية تحت غطاء العمل الدبلوماسي، وأن لإيران محطات تجسس في دول مهمة، وهي مركز لتوجيه الأعمال الإرهابية وجمع المعلومات. وتبرز محطة برلين في ألمانيا بوصفها مركزاً رئيسياً في أوروبا، وبيروت للشرق المتوسط، وبغداد للعراق، ومحطات أخرى في دول الخليج العربي.
jaser@al-jazirah.com.sa