وتبقى البطالة شراً يفتك بالأمم.. فعندما لا يستطيع الإنسان أن يعمل ويسد جوعه ويمنح أسرته الأمان.. يتحول بفعل القهر والعوز.. إلى مخلوق أبعد ما يكون عن الإنسانية.. وسبق أن قلت إن التعليم حاضنة تجمع الخطر وتراكمه ثم تفجره في وجه المجتمع دفعة واحدة.
السؤال الأهم كيف نبني ثقافة العمل في المجتمع عن طريق ترسانة التعليم؟
ببساطة نحن غالباً نلجأ للعامل الأجنبي في أمور يمكن للجميع عملها لو حصلوا على مبادئها فقط.. ولأن الخيال ببلاش.. يمكننا أن نتخيل مناهج عملية في مدارسنا تأخذ في حسبانها مبادئ السباكة والنجارة والديكور وورش مصغرة لصيانة السيارات.. كل ذلك يبدأ من السنوات الأولى في التعليم.. سينهي حينها الشباب تعليمه وكثير منهم بإمكانه أن يقدم صيانة لمنزله.. ويملك ورشته الخاصة في بيته دون الحاجة إلى العامل الأجنبي البسيط.. وفي الطرف الثاني فتعليم البنات العملي لكل ما يهم المرأة يمكنه أن يخرج لنا فتيات قادرات على الاستغناء عن صوالين التجميل والمشاغل التي تعج بالأجنبيات.. ويمكنها أن تصلح ما يناسب وضعها في منزلها.. وسيكون التعليم أكثر متعة وفائدة.. وبعد أن ينهوا تعليمهم سيكونون جاهزين لمشاريع عمارة الوطن بأيدي شبابه.
وبنظرة سريعة للوضع الراهن يمكننا أن نؤكد أن مناهجنا خالية من الفائدة عدا القراءة والكتابة والقدرة على الحساب.. كأنها محو أمية تم تجميلها ولم تخفِ عمليات التجميل تجاعيدها وسوء صحتها.. وإن لم يكافح الفرد بنفسه ويبني ثقافته بجهد فردي سيكون الناتج نسخاً مكررة لأفراد عاجزين عن خدمة أنفسهم.. فكيف يعلمون ماذا يقدمون لوطنهم؟
لنتخيل أن جيلا كاملا يستطيع الاستغناء عن هذا الموج الهادر في شوارعنا.. من عمالة بعضها لم يكمل تعليمه ولم يعرف مدرسة.. خدمهم جهلنا بأمور بسيطة.. فتعلموا وكانت الخبرة الشيء الوحيد الذي تسلحوا به.. لحظتها سيرحل العامل من تلقاء نفسه لأن السوق لم يعد بحاجته.. ونكون قضينا على العمالة السائبة.. وأوجدنا جيلا يحترم المهنة لأنه تربى عليها ولن يجد فيها عاراً يهدد برستيجه.. ويمكنه أن يوسع دائرته بمعارف جديدة.
وفي منطقة أخرى أين المناهج من فن التعامل وتطوير الذات؟ لماذا لا تدرج كمنهج رسمي بدلاً من أن يتعلمه الأفراد من خلال دورات التدريب التي يدخلها بعد أن يخسر الكثير في حياته مع نفسه وأسرته ومجتمعه؟ بفعل الخبرات الشخصية وأفكار يرثها من أبويه.
ألسنا بذلك نقلل من نسبة الطلاق والتفكك الأسري.. ويتعلم الآباء والأبناء كيف تكون الحياة ممكنة في ظل وجود الاختلاف؟
فضلاً عن أننا سوف نحد من الطائفية ونحشرها في زاوية السخافة إن بدأناها من السنوات الأولى من عمر النشء!
وسوف يتعلم الإنسان كيف يكتشف مواهبه ويوظفها لمصلحته؟
باختصار.. إذا لم تقدم تعليماً للمجتمع يمكنه من استخدام يديه مع عقله.. لا يمكن أن تجد أكثر من بطالة جسدية وكسل فكري واتكالية.
amal.f33@hotmail.com