لم يقَدّْ قلبُها من صخر، حين رفعت صوتها راجيةً القاضي أن يُبقي فلذتها في السجن، فهذه البذرة غير صالحة،.. وهي تخشى أن يقتلها..، أجل ابنها تخشى أن يقتلها إن أفرج عنه.. فليبق سجيناً ما شاءت نفسه، وما وجبت عقوبته، فقد تعدى عقوقه..
القاضي لم يفرج عنه..! ليس استجابة لطلبها وخوفها من ابنها، وإنما لأنه لم يقض مدة العقوبة..!
فقد ضربها، جار على ضعفها وهو في كامل قواه، وفتوة شبابه الأربعيني، كسر يداً ربته، حملته، ألبسته، أطعمته..
صقعت في ماء شتائه، واحترقت في أتون صيفه..
يا لرعب الموقف، وقسوته..
لماذا..، لماذا تفشى العقوق في المجتمع..؟!..
أيكفي إحالة العاقين لمصحات الكشف عن سلامة عقولهم، ونقاء دمائهم..؟
أبلغ الشك يقين التوقع بأنهم منحرفون، مرضى..؟
فإن كان هذا، فلماذا بلغ الأمر بينهم هؤلاء حد أشد الكبائر وهو العقوق..؟
هناك من يحمل أمه ويضعها جوار حاضنة النفايات إرضاء لزوجته، وآخر يحملها لدار العجزة «الرباط»، أو يتركها وحيدة في ظلمات الليالي، وآخرون يواجهون آباءهم بالكراهية والتعدي اللفظي واليدوي، ومنهم من يضر والديه، ويتذمر من رعايتهما، ويلقي كل ابن على إخوته مسؤولية أحدهما، أو من يتركهما في ضعفهما لزوجة قاسية، أو كارهة، ومنهم من يشج رأس أحدهما بآلة حادة، ومنهم من يتهم أحدهما بعدم الأهلية ليحجر على ماله، ومنهم من يسرق مالهما، أو أحدهما.... و... كل ما تحمله أضابير المصحات، والمحاكم، وأقسام الشرط، ودائرة حقوق الإنسان..
لماذا..، كل هذا..؟
من أين يبدأ فتيل الخلل..؟
من أين يبدأ جس الطبيب..؟
من أين تُفتح أبواب الأسباب لتنتهي إلى الإمساك بأول خيوطها..؟!
فليس العقوق إن انتشر، إلا النذير بخيبات لا حصر لها، ونتائج لا خير فيها.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855