هي تجربة مشتركة ومتكررة أن نقف على أول العتبات عند أي منعطف أو تقاطع جديد في حياتنا.. نتأمل الأحوال والطقس العام والخاص ومعالم الحاضر والقادم من التضاريس.. داخلنا وخارجنا.
والبدء دائماً فرصة لاستعادة الطفولة فينا بكل براءتها وطموحاتها وثقتها بما سيأتي. وكم يتناقض هذا مع كم المعرفة التي تتراكم في تجربتنا عاماً بعد عام.
وقد بدأنا عاماً جديداً.. ولكن العقود الثلاثة الأخيرة كانت أقرب إلى عبور نفق طويل يتناقص فيه هواء الأمل ونور الرجاء وطاقة العمل. والعامان الأخيران كانا في الجوار العربي والإقليمي أقرب إلى الخروج من نفق مظلم إلى نفق ملتهب بالنيران!
ومع أن كل ما يتكشف من تفاصيل الماضي القريب في السنوات الأخيرة لا يزيد معرفتنا بأنفسنا, عرباً ومسلمين ومواطنين, أفراداً ومجموعاً, إلا حزن المعرفة, أننا نرتكب من الأخطاء في حق أنفسنا أضعاف ما يرتكبه الآخرون في حقنا, أجدني بالذات عند شرفة التأملات والتطلعات هذه ألمس في تبلور مشاعري في نقاء منبعها طمأنينة نفسية وارتياحاً وامتلاءً بآمال غد قادم يعد بالضوء والرضى وسعادة البناء.. فكل عام وكلنا بخير ورضى وسعادة وبدء واعد بالمزيد.
لا أجمل من أن نلتقي بأنفسنا وآمالنا للغد على مفترق درب واعد.. وقد قرأت أنقى ملامح نفسي في حواراتي مع قرائي وسعدت بها.. مثلما تهجيتها عند مفترق أسبق في لثغة الطفولة بكل تفاصيل انتمائها خليجية عربية مسلمة وفخرت بها..
وأظل متفائلة أحمل شمعة التفاؤل..
اليوم يملؤني ذلك التفاؤل الطفولي بالرضى مرة أخرى؛ وأنا أقف شخصياً في منطلق حقبة جديدة -لي وللوطن ككل- على عتبات مجلس الشورى ضمن أول عضوية نسائية رسمية كاملة الأهلية, مؤطرة مواطنة موثوقة بها, مطالبة بحمل المسؤولية كمواطنة تخرج من شرنقة الذات إلى فضاء الحوار المصيري, محملة بتطلعات من يتوقون أن يكون صوتي صوتهم مواطنين ومواطنات.
لا أستطيع أن أصف لكم مشاعري عندما اتصل مسؤول رفيع كريم من الديوان الملكي يطلب سيرتي الذاتية. ولا أستطيع أن ألخص أحاسيسي وأنا أستمع إلى البيان الرسمي عبر التلفزيون يوم الجمعة الماضي. بضع دقائق مرت فيها أمامي تفاصيل شريط حياتي ومنجزاتها ووجوه الأحبة وتشجيعهم. تمنيت دفء احتضان أمي لي كما اعتدته عند كل استلام لجائزة تقدير. وتذكرت وصايا أبي أن أكون دائماً في المستوى الذي تستحقه منجزات صادقة لا غش فيها. تذكرت وقوفي أمام حاكم البلاد في الطفولة الغضة يهنؤوني على نيلي رتبة الأولى في امتحانات الدراسة الابتدائية على كل أطفال البلاد بكل المدارس. رحم الله جميعاً هؤلاء الأعزة الذين عززوا فيّ قدرة الإنجاز.
خلال اليومين الماضيين وأنا استلم تبريكات واتصالات مبتهجة من كل مناطق مملكتنا الحبيبة -بل ومن الخليج إلى مدن بعيدة في القارات الخمس بدون مبالغة- يشاركوننا فرحتنا بهذه الخطوة المنتظرة, تأكدت أننا فعلاً لا نعيش في قوقعة بل في عالم واسع دافئ مليء بأزهار المحبة والإيجابية. وأن أشواك التخوف والتوجس من مشاركة المرأة مآلها أن تذوي حين تنجح التجربة ويرون براهين صدق وحكمة الثقة التي مهدت للقرار التاريخي.
في تويتر كان البيان موضوع حوار اشتعل بكل الحسابات؛ أغلبه جاء حضارياً جميلاً يناقش التطورات والتداعيات المتوقعة, وقليل منه ظل منحصراً امتداداً لمواقف مسبقة من التوجس والتشاؤم بل والتعدي اللاداعي له. وكل إناء بما فيه ينضح.
أجمل تهنئة جاءتني من أحد المغردين زرعت ابتسامة هانئة: «.. ليس مجلساً منتخباً ولكني كنت سأنتخبك لو كان بالانتخاب».
أهنئ نفسي والوطن وكل الأعضاء في مجلس الشورى على الثقة الغالية. وأقول ادعوا لنا أن يوفقنا الله فنحن بحاجة له, ولتفهمكم ودعمكم في هذا الآن بالذات.