)) لو طُلب منه اختصارُ مزايا معهد الإدارة -الذي يدين له بفضلٍ أكاديميٍ ووظيفي كبير- فسيُجملها في “التطوير”، ويخصُّ به ما اتجه لأعضاء هيئة التدريس فيه من تدريبٍ سنويٍ خارجي مكثفٍ، وهو ما أتاح لصاحبكم الالتحاقَ بأكثر من عشرين برنامجًا نوعيًا في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وأستراليا وسواها، ولا ينسى منها برنامجًا مكثفًا في “القيادة” بولاية “فلوريدا” الأميركية قصر المعهدُ الاشتراك فيه على قيادييه.
)) تحدد موعده قبل أكثر من ستة أشهر من عقده وسبقه بعث سبع استباناتٍ مفصلة طُلب منه تعبئةُ واحدةٍ فقط على أن يعبئَ الأخريات رئيسُه المباشر (وكان معالي الدكتور عبدالرحمن الشقاوي) واثنان من زملائه المساوين له علميًا ووظيفيًا وثلاثةٌ من مرؤوسيه لتبعث مغلقةً عبر البريد الرسمي بسريةٍ تضمن عدم اطلاع أحدٍ على أحد، وكانت من الدقة والتفصيل بمكانٍ لا يتيحُ لمالئيها التعاملَ معها بسرعةٍ أو ارتجال.
)) قيل له عن أهمية البرنامج بما لا مزيد وحسب في الأمر مبالغةً لاجتذاب القيادات الإداريةِ العربية أو ربما الخليجية تحديدًا، وفوجئ عند التحاقه به أن لم يكن معه أجنبيٌ؛ فكلهم أميركيون يشغلون مواقعَ مهمةً، وفيهم من كان يعمل في البيت الأبيض والـ”إف.بي.آي” وكبريات البنوك والشركات، ووجد في مادته العلمية وورشه ما لم ير مثيلًا له من قبل.
)) تساءل في نفسه عن مصير الاستبانات السبع ولم يُبده لهم؛ فالجوُّ جاد، وهو الأجنبيُّ الأوحد، والصمتُ في بعض المواقع حكمة، وحين دنت الساعات الأخيرة وجد في جدوله جلسةً خاصةً مسجلةً صوتًا وصورةً بحضرة أكاديميةٍ متخصصة في علم النفس تحاوره في أوراق ملفٍ ثريٍ يحوي قراءةً إحصائيةً لنتائج تحليل تلك الاستبانات مشتملةً على مزاياه وعيوبه وإمكانات التغيير لديه ومعززةً بما لوحظ خلال أدائه في البرنامج الذي ابتدأ بتسجيل مماثل عبر استفهاماتٍ مفتوحةٍ تحدث فيها عن نفسه وتجاربه، ويحسب أن ذلك الملف هو أثمن ما حصل عليه خلال مراحل عمله.
)) استعاد هذا البرنامجَ الحيويَّ مؤمنًا بما بشر به مفكرو ما بعد الحداثة “الإدارية” وعلى رأسهم الراحل “بيتر دركر” من اختلاف نهج التقويم ليبدأ من التابع للمتبوع “كما في نصفِ استبانات التقويم”، وهو ما اختطته “لاحقًا” تماهياتُ النخبوي والشعبي؛ فصار القائدُ مقودًا والمُدار مديرًا، وتفاعلت به ومعه الحركة الثقافية والاجتماعية والسياسيةُ العربية، وتَمثَّل به الإعلام الرقميًّ؛ حتى صار كبار الكُتّاب عالةً على أصغر التغريدات، وقد نتخيل معظمهم يراجعون وسائط التواصل كي يكتبوا زواياهم تفاعلًا حينًا وخواءً أحايين.
)) بدلت حركة الشارع العربيِّ معايير القرار وتراجعت النخب المثقفة والمفكرة ليكونوا انفعاليين لا فاعلين وافتقدنا كثيرًا من الدراسات التأصيليةَ القادرة على صنع التغيير والتطوير، وربما تنجح الإدارة بالتوازن وتخفق الثقافة بالتمازج.
)) انتقلت فوضى الشارع إلى فوضى الكتابة، ومثلما يفتقد العالم العربيُّ زعاماتٍ تقنعه فإن القارئ لا يجد أمامه غير رموزٍ نادرةٍ تضيءُ يومه وتصنعُ غده، وانقلاب التراتبية الثقافية نذيرٌ بجدبٍ نستمطر فيه السماءَ فلا نُمطَر ثم لا تشرق الشمس.
)) الفراغُ امتلاءٌ مقلوب.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon