نعيش اليوم عيشة هنيئة مريحة لم يعرفها أجدادنا ولم تتوفر لهم بسبب حضارة الغرب. فهذه الحضارة هي المنهل الذي ينهل منها الإنسان المعاصر، ولا يمكن أن يستغني عنها إلا مضطراً. فنحن نستشفي في مستشفياتها، ونتداوى بما وفرته لنا من عقاقير وتقنيات وآلات طبية. ونأكل من منتجات زراعية لا تنتجها أرضنا وجلبناها من أقاصي الدنيا. ونشرب ماء مُحلّى من البحر وفرته لنا تقنية تحلية المياه المالحة جلبنا فكرتها، واستوردنا آلاتها من الغرب. ونبيع ونشتري بعملات ورقية هي من منتجات الغرب ولم يعرفها أسلافنا قط. ونتنقّل على مركبات في البر والجو والبحر لا نعرفها ولم نكن لنعرفها لولا حضارة الغرب. ونبني بيوتنا بالطريقة الغربية لا كما كان أجدادنا يبنون بيوتهم البدائية، ونكيّفها بآلات التكييف الغربية فتقينا لاهب القيظ وزمهرير الشتاء، ونضيئها بالمصابيح التي تغذيها الكهرباء ذلك المخترع الغربي العظيم الذي وفّرَ لنا من خيراته ونِعَمه ما لا يُعد ولا يُحصى. ونتعلّم ونتلقى المعرفة حسب الطرق والأساليب والوسائل الغربية. ونتواصل ونذلّل المسافات بيننا مستخدمين ما تتيحه لنا حضارة الغرب من تقنيات. وقبل ذلك كله فالبترول الذي نقلنا نحن السعوديين من حياة أجدادنا البدائية إلى حضارة اليوم لم نكن لنعرفه لولا الله ثم الغرب وحضارة الغرب؛ أي بالمختصر المفيد لولا الله ثم الغرب ومنجزات حضارته لكنا دولة فقيرة بدائية، كالصومال أو أفغانستان، نتقاتل على كسرة خبز أو شق تمرة أو على شاة أو بعير تماماً كما كان أجدادنا يفعلون.
حاول أن تلتفت حولك، ثم أعطني منتجاً واحداً، واحداً فقط، ورثناه من منتجات ثقافتنا أو إن أردت حضارتنا؟.. لا شيء على الإطلاق، وأكرر على الإطلاق..
ومع ذلك لا نستحي ولا نخجل من أن نشتم الغرب وحضارته ومنتجاته صباح مساء!
من يشتم الغرب وحضارة الغرب ويُشوّهها عن عمد وتقصّد هو واحد من اثنين: إما أنه (صحوي) مُغالط، لا يهمه المنطق، ولا أن يتلمس الحقيقة ليقترب منها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بقدر ما يهمه أن يُرضي أيديولوجيته ويتماهى معها حسب رأي أساطينه الذين أدلجوه وحقنوه بما يجب أن يقول وما لا يقول، حتى وإن نسف كل الحقائق التي أمام عينيه.. أو رجل (تابع) ساذج يُردد دون وعي ما يردده مَن هُم حوله من (الصحويين) وتُباعهم، ويتبنى مقولاتهم، دون أن يُعمِلَ ما يحمله بين كتفيه في ما يقولون؛ وهؤلاء كثر للأسف.
إننا لن نبرح (تخلفنا) قيد أنملة إلا إذا صنعنا أفراداً متحضرين، واقعيين، يأبون الوصاية، ولا ينتظرون أحداً ليفكر عنهم ثم يتخذ القرار.
الغرب -أيها السادة- وتحديداً حضارة الغرب هي مهوى أفئدة كل من يروم التنمية ويسعى إلى التحضّر. اليابانيون، ثم الصينيون، فالكوريون الجنوبيون، اتبعوا مبادئ وأصول ونهج الحضارة الغربية ولم يتعالوا عليها، فكان لهم مكان مرموق بين أمم الأرض؛ ولا يمكن أن تعيش اليوم دون أن تعترف بهذه الحقيقة، فما ينعم فيه الإنسان اليوم في الغرب والشرق من رغد ورفاهية وسلام وطمأنينة هو من ثمرات هذه الحضارة ومنجزاتها؛ ودون أن نعترف بهذه الحقيقة على المستوى الفلسفي، ونُقِرُّ بها، ولا نغالط في إثبات العكس كما يفعل الصحويون وتُبّاعهم من البسطاء والسذج، فسنبقى حيث نحن؛ مجرد أفواه تأكل، وكائنات تستهلك ما لا تنتج، وعقول متكلسة تبحث عن أحد يُفكر عنها، تماماً كأي طفل صغير يسأل والديه عن كل صغيرة وكبيرة ليتخذ حسب ما يقولان قراراته.
إلى اللقاء