استغرب كثيرون من الخطاب الاستعلائي الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام، فقد كان منتشيا، ومتشبثا بالسلطة كما لم يفعل من قبل، هذا مع أنه كان من المفترض أن يرحل عن السلطة قبل فترة طويلة، فهكذا اعتقد كثير ممن ينظر إلى الأمر خارج نطاق نظرية المؤامرة، والثورة السورية مرت بمراحل كثيرة، وكانت غريبة منذ بدايتها، ولا تشبه الثورات الأخرى - عربية وغير عربية -، فقد أصبحت الشام ميدانا لاستعراض القوة المفتعل بين الغرب من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، فهل يوجد حقا صراع بين القوى العظمى فيما يتعلق بالشأن السوري؟!
إن القوى العظمى التي تختلف الآن بشأن سوريا تشبه كثيرا تلك التي اختلفت قبلا بشأن ضرب العراق قبل عقد من الزمان، ونعلم أنه تبين لاحقا من خلال الوثائق - لا التسريبات - أنه لم يكن هناك خلاف على الإطلاق فيما يتعلق بضرب العراق، بل إن الدول التي اعترضت على الحرب، كانت من أوائل المساهمين بالمجهود الحربي!، وهاهو السيناريو يتكرر مرة أخرى، فالغرب يريد رحيل النظام السوري، والصينيين والروس يدافعون عنه بكل ضراوة، فهل من المعقول أن تعدم الولايات المتحدة طريقة لإنهاء هذه الأزمة التي دخلت التاريخ كواحدة من أطول الثورات عمرا في تاريخ البشرية، هذا على افتراض أنها ثورة؟!.
الآن، وبعد أن ثبت أن الغرب كان هو المحرك الرئيس للثورات العربية، والداعم الرسمي لوصول التنظيم العالمي للإخوان المسلمين للسلطة، يستسحن بنا أن نتوقف عند ثورة سوريا، والتي اصطلح الإعلام الغربي على تسميتها بالحرب الأهلية!، ونتساءل عن صاحب المصلحة الأول في تطويل أمدها من خلال الخلاف بين القوى العالمية، ولا أظن هناك تفسير أقرب للمنطق أكثر من الادعاء بأن تطويل أمد هذه الأزمة، وتدمير سوريا بالشكل الذي نراه، خصوصا تدمير قوتها العسكرية التي بنيت على مدى أربعة عقود، يصب في النهاية في مصلحة إسرائيل، إذ على الرغم من أن النظام السوري لم يطلق رصاصة واحدة عليها خلال أربعين عاما، إلا أن بقاء هذا النظام قويا وموحدا يهدد مستقبلها على المدى البعيد، ولذا فإن تدمير هذا البلد، وتشتيت قوته العسكرية، وتقسيمه إن أمكن هو الحل المثالي لخدمة إسرائيل، وبهذا تكون إسرائيل قد تخلصت - بمساعدة الأصدقاء الغربيين والشرقيين - من مهد حضارة الأمويين في دمشق، بعد أن تخلصت من مهد حضارة العباسيين في بغداد، وبينهما كانت قد ضمنت مستقبلا مشرقا، وسلاما دائما مع حكومة الإخوان في مصر، فهل يصح أن نختم بالقول إن الثورات العربية، والتي صفقنا لها طويلا، تمت لخدمة كل أحد، إلا نحن أصحاب الشأن؟، والإجابة لكم..
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2