في علوم الإدارة والتخطيط يقال بأن النقد عملية سهلة، لكن التطبيق والتنفيذ يحتاج إلى مهنية خاصة، ويحتاج تصور وخارطة طريق، ونحن كسعوديين مواطنين أو مسؤولين ندرك تماما أن لدينا بطالة، وأن بعضا منها مقنعة، أي أنها ناجمة عن سوء الإدارة والتخطيط، ومشكلة الإدارات التنفيذية لدينا اعتقادها أن بذر المعلومات عن فائض أو عجز اقتصادي كاف، وهو ليس ما لا يرغب المواطن سماعه.
المواطن لا يفهم لغة الأرقام، وألغاز أهل الاقتصاد مكشوفة لدى المختصين، فالمواطن يقيس حجم التضخم بارتفاع الأسعار وتآكل دخله، وضعف القيمة الشرائية للريال أمام العملات الأخرى، هذا ما يلمسه المواطن، وأما ما يتعلق بتدني وضعف كفاءة المواطن السعودي فهي ليست مهمته، وليست عيبا فيه، وإنما العيب يكون في التخطيط الاقتصادي وتطبيقه.
منذ الثمانينيات ونحن نسمع هذه اللغة، وكأن المواطن السعودي هو سبب في التضخم، وغلاء الأسعار وعدم نجاح الخطط الاقتصادية، وأنه مواطن غير قابل للتغيير، مع إن الواقع يكشف أن تغيرا كبيرا وملحوظا حصل في سلوكيات المواطن، لا بل إن المواطن أصبح يعمل عملين، ويدير مؤسسة، ويستثمر في الأسهم، بينما بعض المسؤولين عن التخطيط والاقتصاد يقضون جل وقتهم إدارة محافظ مالية خارجية.
السؤال الذي يطرح نفسه، كإجابة على ما يقال إن (إنتاجية المواطن السعودي لا تليق بنا،) هل من يطرح هذه الأسئلة على معرفة بهموم وحاجات المواطنين اليومية؟ إشك أن هذا المسؤول يملك قاعدة بيانات دقيقة، تجعله يتنبأ بهذا التنبؤ الذي يعتبر (معجزة) كما إن إنتاجية المواطن السعودي الضعيفة لها أسبابها العامة، وليس هو مسؤول عنها، فغياب التخطيط الإستراتيجي، وحاجة السوق والتدريب، والخطط المستوردة من الخارج هي السبب، وليس المواطن الذي يجاهد بكل قوة لتحسين وضعه الاقتصادي.
ولكشف اختراعات هذا المسؤول، لو عدنا إلى الوراء قليلا لما قبل الطفرة، والنفط، لوجدنا أن المواطن السعودي يعمل في جميع المهن، وزاول الكثير من الأنشطة من زراعة ورعي وتجارة، وترحال للبلاد المجاورة، كل ذلك لطلب الرزق، وإثبات أنه يعمل ويخالف ما يردده المسؤولون عن اقتصادنا، لابل وأزيد أن العوائل التجارية السعودية هي من جاب الديار من البصرة والزبير وصولا إلى مصر والمغرب، ولم تتعلم في هارفارد، أو تتلمذ على تعاليم صندوق النقد الدولي.
هؤلاء تعلموا وتنقلوا تجاريا، فهم نواة الإدارة الاقتصادية السعودية، ولازالوا هم الذين يعلمون مواطنيهم معنى المواطنة الحقيقة، فالمواطن السعودي ليس من جنس مختلف، بل أكاد أجزم أن التجارة خلقت له، لكنه يريد عملاً يحفظ كرامته، فكيف يطالب المواطن السعودي بالإبداع والإنتاج، إذا لم يكن مشمولا بتخطيط اقتصادي إستراتيجي واضح، ويطبق عبر مراحل بخطط معينة، فهو قادر على العطاء والإنتاج عندما يصبح جزءا رئيسيا من التخطيط الاقتصادي في بيئة عمل جادة ومنظمة ومنصفة.
لذا فإن اتهام المواطن السعودي بأنه غير منتج (وأن إنتاجه لا يليق بنا) اتهام باطل، فالسعودي مثل أي إنسان متى توفر له العمل الملائم، فإنه يتجاوب معه خاصة إذا تم تدريبه وتأهيله، وأعطي حقوقه من أجر وتأمين صحي وغيره، فإن إنتاجيته لا تقل عن إنتاجية أي إنسان آخر، فآباؤه وأجداده هم من حفر الآبار الجوفية بدون معدات، وعملوا في الرعي والزراعة والتجارة، فمن يملك المليارات يجب ألا يتحدث بطريقة نمطية مخالفة لروح العصر، وأتمنى ألا تستفاد من تلك المقولة جهات خارجية تتذرع دائما بعدم أهلية المواطن السعودي!!...
Ahmed9674@hotmail.comمستشار مالي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية