مع دخول عصر جديد في القرن الحادي والعشرين، أخذت تتغيّر الملامح الثقافية والسياسية والاجتماعية، فالقرن الحادي والعشرون أدخلنا في عصر الويكيليكس، ومواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت الأسرار التي كانت تحجبها الحوائط الأمنية والصناديق المقفلة في الدوائر الرسمية، تعلن وتناقش على الملأ بمجرّد النقر على الحاسب الآلي والموبايل والآي باد.
وبعد انفجار الربيع العربي تحوّلت الأساليب السياسية فلم يَعُد هنالك مقبولاً التعامل مع الحكومات أو أشخاص النظام إلاّ بنسبة لا تتجاوز 20%، واتجه التعامل إلى الشعوب بشكل مباشر.
لقد سقط حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبدأ التعاون بين الولايات المتحدة مع الشعوب العربية بشكل مباشر، وكانت أقوال الرئيس أوباما للرئيس المصري السابق حسني مبارك هي كلمة ارحل ارحل الآن، وهذا لا يعني أنّ العلاقات سوف تكون للطبقة الحاكمة حزباً أو فرداً بل مع بقية الشعوب، وأخذت الولايات المتحدة تدعو الشباب لزيارتها أو زيارة مركز التغيير الذي فتحته في المنطقة، ومن ثم يجري الحوار معها، وأخذ الأمريكيون يجرون حواراً مع النخب الفكرية في العالم العربي، بالإضافة إلى الشخصيات الفاعلة في المجتمع، كما اتفقت مع بعض الجامعات والمؤسسات العلمية لتشكيل مركز وفروع في العالم العربي للتعامل مع المواطنين.
لقد وجدت الولايات المتحدة ودول أوربا، أنّ الإسلام السياسي لا يتنافى مع الديمقراطية، ولم يَعُد خصماً للولايات المتحدة الأمريكية، ومع هذا فإنّ الإسلام السياسي يختلف من دولة إلى دولة، لهذا وجدت الولايات المتحدة نفسها في حرج شديد أمام الفروق القومية فيما يتعلق بالأهداف والاستراتيجيات والرؤى المختلفة وزعامات الأحزاب وحركات الإسلام السياسي.
لقد فضّلت الولايات المتحدة أن تتجه نحو التأثير على سلوك الجماعات الإسلامية بدلاً من الإقصاء المطلق لها، فهي واقع موجود في الساحة السياسية.
لقد أجرت الولايات المتحدة حوارات مع الإسلام السياسي، فأدركت ضرورة الحكم على أعمال هذه الجماعات، بدلاً من الحكم على أقوالها خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل والإصلاحات السياسية والاقتصادية، ووجدت أنه يمكن التعامل مع جماعات الإسلام السياسي بأفضل من التعامل مع غيرهم من الأحزاب الأخرى.
لقد أصبح الإسلام السياسي واقعاً لا يمكن إقصاؤه أو إنكاره، فغامرت الولايات المتحدة بفتح باب الحوار معه، لأن ذلك أدعى لتأمين مصالحها في المنطقة على المدى الطويل.
وقد أشارت معظم مراكز الدراسات في واشنطن، إلى أن على الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية للإصلاح السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، لا لأنها تساير القيم الأمريكية، بل لأنها تتفق مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية، لقد وجدت أنّ المكاسب القصيرة سرعان ما تنعكس سلباً على الولايات المتحدة.
إنّ الضغوط الاقتصادية والثقافية تشكِّل تحديات خطيرة في المنطقة، فمصر لا يكتب لها لا تقدم الاقتصادي إلا بوجود الاستقرار السياسي، لأنّ الاستقرار هو الذي يجتذب المستثمرين، لهذا نجد أنّ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يربطان بين المساعدات والاستقرار، ولا يتأتى الاستقرار إلاّ بالتوافق السياسي بين أطياف المجتمع. فالأولوية لقطاع الصحة والتعليم والزراعة، فهي التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر، فهي التي تحد من البطالة التي تهدد الاستقرار السياسي.
لهذا لا نجد الولايات المتحدة تتمسك بالاقتصاد الحر، إنّ عوامل الاستقرار والتقدم تكمن في العوامل الثلاثة، القضاء على الفساد، والوحدة الوطنية، والعدالة الاجتماعية.
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية