عندما يقوم مسؤول مكلف من قبل ولي الأمر بتطبيق اللوائح والأنظمة الموكولة إليه، هل يجوز الاحتساب بالدعاء عليه كأن يصاب مثلا بالقولون العصبي، ناهيك عن السرطان؟. هذا المسؤول ينفذ ما كلفته به دولته بتوجيهات ولي الأمر الشرعي الذي له البيعة من جميع المواطنين، إلا من أبى واستكبر، وهذا يعتبر من الخارجين على الجماعة.

في مثل هذا الواقع المحكوم بتراتيبات المسؤولية، هل يصح شرعا أن يسكت القضاء والسلطات التنفيذية عن ظاهرة الاحتساب الجماعي على المسؤول المكلف من قبل دولته والصراخ في وجهه والدعاء عليه بالموت بالمرض الخبيث؟.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة تشمل ضمنا الدعاء للناس بالهداية والصلاح، وليس الدعاء عليهم بالضلالة والأمراض. أما مسألة التهديد بالدعاء على الآخر أن يمسه الله بالضر، كالسرطان والعياذ بالله فتلك مسألة نفسية مثقلة بانتفاخ الذات وتزكيتها، لكن محتواها من رفق وسماحة الدين صفر، بل ويتعدى إلى السالب بإطلاق الدعوات التدميرية.

كنت أظن أن الاحتساب يقوم على طلب الصلاح والهداية بمتلازمتي الأمر والنهي، وليس بالدعاء بإنزال الويل والثبور والأمراض المهلكة، حتى رأيت وسمعت ذلك وقد أصبح من لوازم ومستحبات الاحتساب في سبيل الله.

في كل الأحوال، سواء دعا المحتسب لشخص أو عليه، فالثابت في كل الأحوال هو عدالة الخالق العادل الكريم، وهو الذي يزن أعمال عباده بالنيات، أي بالمقاصد المضمرة التي هو سبحانه الوحيد الأعلم بها، وليس بما يظنه الناس أو ما يتخوفون منه فيها. الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم خفايا من يدعو للآخرين بخير لأنه طيب النفس كريم الأخلاق، ومن يدعو عليهم بشر لأنه كثير الشكوك وربما سيء الطوية أيضا. الدعاء للآخرين بالخير لا يحتمل تأويلا بشريا غير حب الخير في قلب وعمل الداعي، أما الدعاء على الآخرين بالمصائب فقد يحتمل الأمرين، إما التضرع باستنزال عقاب الله على منكر واضح لا لبس فيه، أو استنزال عقاب الله بسبب شيء لا يسر الداعي شخصيا، ولكنه ليس بالضرورة منكرا شرعيا قطعي الوضوح.

تتعقد الأمور أكثر عندما يأتي الدعاء على الآخرين من العقليات السيكوباثية المملوءة بأمراض التوهم الظني أو الشك المرضي أو القياس على ما في خلفية الداعي نفسه من هفوات ماضية حصلت في مراحل حياته السابقة، وبعد أن يتوسم هداية الله له يداخله الزهو والظن بأن دعاءه على الآخرين سوف يجير له كاحتساب في سبيل الله.

موضوع الاحتساب بالدعاء على الناس بالمصائب يحمل في داخله خلطة احتمالات متعددة العناصر، منها السذاجة في التفكير، ومنها انتفاخ الذات وتزكيتها، ومنها التمرد على القوانين، ومنها أيضا احتمالات وجود اختلاطات نفسية تحتاج إلى متخصصين في علوم النفس والسلوك والاجتماع لدراستها قبل أن تتحول إلى ظاهرة إضافية للأمراض الإقصائية والتباغضية التي نحن في غنى عنها خصوصا في الظروف الحالية.