سأبدأ بأمثلة قبل طرح وجهة النظر الرئيسة للمقال، قررت وزارة الثقافة والإعلام زيادة رسوم الاشتراك بمعرض الرياض للكتاب ولم يكن ذلك مناسباً للناشرين وبسبب وجود جمعية الناشرين السعوديين وتفاعلها الإيجابي في الدفاع عن مصالح أعضائها تم الضغط على وزارة الثقافة والإعلام حتى اضطرت للتراجع عن قرارها برفع أسعار الاشتراك وإعادتها إلى وضعها السابق.
* رابطة دوري المحترفين تم انتخاب أعضائها ممثلي الأندية وأصبحت تتفاوض نيابة عنهم في الحصول على عوائد رعاية الدوري وغيرها من الأمور التنفيذية التي تخص دوري كرة القدم بشكل منظم يكفل لهم حقوقهم المختلفة.
* تحمس بعضهم ممن تعارف تسميتهم بالمحتسبين أو المتشددين، وتوجهوا بأعداد كبيرة إلى وزارة العمل للضغط عليها لمراجعة بعض قراراتها. ووضع وزير العمل في موقف محرج من الناحية القانونية والاجتماعية، حيث إنه قانونياً ليس ملزما بلقاء تلك الحشود المتجمعة في شكل تظاهري يخل بالنظام من ناحية المبدأ - النظام يمنع كافة أشكال التظاهر والتجمعات المعارضة - وفي نفس الوقت هو لا يستطيع أن يبقى في موقف المتهم في عقيدته دون أن يدافع عن مواقفه الإدارية والنظامية.
* بعد صدور الكادر الصحي الجديد ظهرت احتجاجات كبيرة من كثير من الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية غير التابعة لوزارة الصحة، ووصل الاحتجاج تهديد حوالي عشرين طبيباً مبتعثاً بعد العودة للعمل بالمملكة وفق ذلك الكادر الصحي، كما أعلنت أسماؤهم ببرنامج الثامنة مع داود الشريان.
* يسعى المعلمون لتنظيم صفوفهم لرفع دعوات ضد وزارة التربية والتعليم على خلفية بعض القرارات التي يرونها مجحفة بحقهم ولأجل مزيد من الضغوط يتجمعون بشكل دائم أمام وزارة التربية والتعليم كنوع من إبراز قضيتهم.
* في المثالين الأولين نرى كيف أن المنظمات الأهلية تمثل المنتسبين إليها وتسعى للدفاع عن حقوقهم بقوة منظمة لا تخالف القانون. لازال الطريق أمامها طويلاً.
* في الأمثلة الثلاثة الأخيرة نلحظ الفوضى والتجاوز القانوني والتهديد المعيب بحق الوطن. نرى أن فئة من الناس تحاول فرض وصايتها تطالب عن طريق التهديد والتجمهر بتعديل بعض القرارات دون أن تكون مخولة وممثلة للمعنيين بالأمر وهم فئة العاملين والعاملات بالقطاع الخاص. لو كان هناك نقابة أو جمعية أو هيئة أهلية للعمال لكان وزير العمل في حل من مقابلة أولئك المحتسبين غير المخولين بالحديث عن موضوع لا يخصهم ولكان مطلوباً منه التفاوض مع ممثلي العمال المنتخبين والمفوضين بالحديث عنهم.
* لو كان هناك نقابة للأطباء حقيقية لكان وزير الصحة معنياً بالتفاوض معها ولما احتجنا لهذا الصراخ في وسائل الإعلام والتهديدات المشينة بحق الطبيب السعودي حين يضطر إلى مساومة بلده بسبب راتب يزيد أو ينقص..
* لو كان هناك هيئة أو جمعية أو نقابة للمعلمين لما رأينا هذا التجمهر الدائم ولكان سهلا على مسؤولي التربية والتعليم التفاوض مع ممثل أو ممثلي المعلمين المخولين بالدفاع عن حقوقهم بدلاً من مواجهة آلاف منهم ممن يجيدون الصراخ خارج حدود المدارس ربما أكثر من إجادة التعليم داخل الصفوف.
* الخلاصة أن الاحتجاج والاعتراض على القرارات الإدارية أصبح واقعاً ولم يعد بالإمكان العودة للوراء وتكميم الأفواه في ظل ثورة إعلامية ومجتمعية تتيح كل ذلك، وإذا لم تنشأ مؤسسات مجتمع مدني تمثل مختلف المهن والتخصصات وتتفاوض نيابة عنها فإننا سنبقى في دوامة من القلق والتوتر والخشية من حدوث أمور لا تحمد عقباها. بعضهم يرفض النقابات، أو مسمى النقابات. لا بأس سموها ما شئتم؛ هيئات، جمعيات، منظمات، اتحادات؛ ما يهمنا هو وظيفتها الأهلية وكونها تمثل أعضاءها بشكل ديموقراطي وحضاري.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm