هل سنستمع مجدداً يوم السبت القادم في الرياض إلى الأسطوانة المشروخة التي سوف تكرر على مسامعنا فضائل التكامل الاقتصادي العربي؟ هذه الأسطوانة التي «داخت» وهي تدور منذ منتصف الأربعينيات الميلادية من القرن الماضي غداة إنشاء جامعة الدول العربية!
سيلتقي مندوبون عن القطاع الخاص والحكومات وجامعة الدول العربية في الرياض يومي الثاني عشر والثالث عشر من يناير، السبت والأحد القادمين، تحت مظلة «منتدى القطاع الخاص العربي التحضيري للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية»، وسيتم طرح الكثير من الأفكار الجديدة القديمة التي قُتلت بحثاً على مدى عقود طويلة ماضية دون أن يجد معظمها طريقه إلى التنفيذ بسبب البيروقراطية الحكومية المتجذرة في دولنا العربية.
ويبدو أن أحد المشاريع التي ستُطرح للنقاش، وفق ما نُشر في بعض وسائل الإعلام، مشروعٌ كبير لإنتاج القمح بهدف سد الفجوة الغذائية في العالم العربي الذي لايزال يستورد قسطاً كبيراً من احتياجاته الغذائية من الخارج رغم اتساع مساحة العالم العربي وثرائه بالموارد المائية والبشرية والمالية الكفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي بل والتصدير إلى الخارج.
هذه المبادرة هي واحدة من مبادرات عديدة، ولو قُدِّر لهذه المبادرة بالذات أن تنطلق فهي كافية لكي نحكم بالنجاح على جهود التكامل العربي في هذه المرحلة. لكن المنتدى الذي سيُعقد في الرياض هو جهد تحضيري للدورة الثالثة للقمة العربية التنموية، ومن ثم فإن المُعَوَّل الأساسي سيكون على ما سوف تتباه القمة وليس المنتدى، وعلى قدرة الأجهزة الحكومية في الدول العربية على تنفيذ هذه المبادرة.
لعلنا نتذكر النهاية المؤسفة لمشروع الأعلاف الاستثماري الذي نفذته شركة المراعي السعودية في السودان، فقد حقق المشروع فشلاً ذريعاً بسبب البيروقراطية الحكومية في السودان ما دفع شركة المراعي إلى سحب استثمارها والانتقال به إلى الأرجنتين!! وقد وجدت الشركة أن تنفيذ الاستثمار في الأرجنتين سيحقق عائداً أفضل لكل الأطراف على الرغم من تكاليف النقل الكبيرة التي ستتكبدها الشركة نظراً لطول المسافة بين المملكة والأرجنتين بالمقارنة مع السودان القريبة.
من المسلَّم به أن القطاع الخاص يدرك ويجيد الممارسة الاقتصادية أفضل من الحكومات. وبوسع القطاع الخاص العربي أن يحقق للشعوب العربية الكثير من المنافع المشتركة حينما يسْلَم من تسلط الأجهزة الحكومية العربية التي يعشش فيها الفساد والروتين. لكن القطاع الخاص يظل أسيراً لمزاجيات الأنظمة العربية وأجهزتها البيروقراطية البالية مما حرم الشعوب العربية من الانتفاع من المزايا الاقتصادية الكثيرة التي تتمتع بها الدول العربية حينما تعمل مجتمعة في إطار سياسة عقلانية تحكمها المصالح المشتركة لا الشعارات الحماسية الخائبة.
سيقول القطاع الخاص العربي كلمته حين يجتمع ممثلوه يومي السبت والأحد في الرياض، وسنسمع الكثير من الكلام الواعد الجميل. ويبقى بعد ذلك دور السياسة لتهدم ما يبنيه الاقتصاديون.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض