أثار حفيظة الرأي العام زواج شيخ تسعيني في إحدى المحافظات من طفلة تبلغ 15 عاماً، كان رد فعل تلك الطفلة أمام هذا الزواج أنها أغلقت على نفسها الباب ومن ثم ذهابها إلى بيت أهلها، ما يدلل على أنها غير راضية عن هذا الزواج.
انتماء الطفلة وأهلها لهذه المحافظة يلفت الأنظار إلى أسباب اللجوء لتزويجها وتزويج الصغيرات، التي منها عادات وتقاليد بعض سكان المنطقة، أو بسبب الوضع المادي للأسر الفقيرة، فيكون تزويج أحد أفرادها المخرج لهم من شبح الفقر، علاوة على الرغبة في الاستفادة من المبالغ المالية التي يحصل عليها الأب مقابل تزويج ابنته، وقد يرغب في مهرها كي يتزوج به فيصبح الزوج قائماً على مصلحة ضحيته طفلة سينالها ضرر معاشرة شيخ هرم، والشيخ الألباني -رحمه الله- شدد على ألا تزوج الفتاة ممن يكبرها بعمر كبير، ويرى علماء المسلمين أن للصغيرة إذا كبرت حق الاختيار في إمضاء الزواج أو الخلع، بالتالي فالزواج مخالفة لشروط نصّت عليها كتب الفقه، يفترض أن يعاقب القانون على هذه المخالفات!
للإمام العلاّمة ابن عثيمين -رحمة الله عليه- قول - في معرض شرحه لصحيح البخاري، باب النكاح، وهو يناقش جواز تزويج الصغيرة-: قال: (المسألة عندي -أي تزويج الصغيرة- أن منعها أحسن، ومن الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقاً حتى تبلغ وتُستأذن، ولا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقاً)!
من قول الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئول عن رعيتها)، فكيف لطفلة صغيرة بحاجة إلى من يتحمل مسئوليتها أن تكون مسئولة عن زوج وبيت وأولاد، أو رعاية وتطبيب شيخ هرم!! الرسول الأمي من زوّج فاطمة -رضي الله عنها- حين تزوجت من الإمام علي -رضي الله عنه- كان لها من العمر (21) عاماً حسب رواية لابن حجر أو (18) عاماً حسب روايات أخرى، مع ملاحظة اختلاف ذلك الزمان عن زمننا الحالي.
الموقف من عدم جواز هذا الزواج وعدم أهلية الطفلة ليس من موقف تشريعي فقهي وحده، والطب لديه من يدعم انتفاء الشرعية والأهلية في آن.
يشكل زواج الصغيرة خطورة عليها في حالة الحمل من حيث تعرضها لفقر الدم الذي يؤدي غالباً إلى الوفاة في حالة نزيف الولادة والإجهاض والإخماج -التعفن- وارتفاع ضغط الدم الحاد وتعسر الولادة واللجوء إلى العمليات القيصرية وتمزق الرحم نتيجة صغر فتحة الحوض الذي لا تكتمل نمو عظامه قبل 18 سنة من عمر الفتاة، كما تكون الصغيرة عرضة للإصابة بالإرجاج أو التشنج الحملي والناسور الولادي، وأخطر ما يصيب مولود الأم الصغيرة فهو نقص الوزن الذي غالباً ما تكون نتائجه على المواليد هو التخلف العقلي وأمراض القلب، أكدت ذلك اللجنة الطبية التي شكلتها وزارة الصحة السعودية لدراسة الأضرار الصحية والنفسية لتزويج الصغيرات في تقرير واف لها، ومما ورد في التقرير من الآثار النفسية: الحرمان العاطفي من حنان الوالدين والحرمان من عيش مرحلة الطفولة التي إن مرت بسلام كبرت الطفلة لتصبح إنسانة سوية، لذا فإن حرمانها من الاستمتاع بهذه السن يؤدي عند تعرضها لضغوط إلى ارتداد لهذه المرحلة في صورة أمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام والاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية، واضطرابات في العلاقات الجنسية بين الزوجين ناتج عن عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة، مما ينتج عنه عدم نجاح العلاقة وصعوبتها، وقلق واضطرابات عدم التكيف نتيجة للمشاكل الزوجية وعدم تفهم الزوجة لما يعنيه الزواج ومسئولية الأسرة والسكن والمودة، وربما الإدمان نتيجة كثرة الضغوط كنوع من أنواع الهروب، وآثار ما بعد الصدمة (ليلة الدخلة) وهي مجموعة من الأعراض النفسية التي تتراوح ما بين أعراض الاكتئاب والقلق عند التعرض لمثل هذه المواقف، ويشكل الخوف حالة طبيعية عند الأطفال ومن هم دون سن البلوغ كالخوف من الظلام والغرباء والبعد عن الوالدين، ويزول هذا الشعور بعد مرحلة البلوغ، لذلك فإن الخوف وما يترتب عليه قد يصاحب القاصر إذا تعرضت للزواج بهذا العمر، والانغلاق اللا إرادي للمهبل لمن هن في عمر مبكر (وهو مرض نفسي ابتداء)، ويزيد من احتمال حدوث ذلك وجود الخوف (القلق) من الشدة الجسدية من الزوج وهي حالة مرضية تستدعي التدخل الطبي، ووجود قابلية للإصابة ببعض الأمراض النفسية خلال فترة النفاس (نتيجة احتمال إصابتها بأمراض نفسية قبل الحمل)، وعدم اكتمال النضج الذهني فيما يخص اتخاذ القرارات وما يترتب عليها بالنسبة للعناية بالطفل وواجبات الزوج والعلاقة مع أقاربه، ومن الآثار النفسية على الأطفال للأملصغيرة: الشعور بالحرمان، حيث إن الأم القاصر لا يمكن أن تقوم بعملها كأم ناضجة، واضطرابات نفسية تؤدي إلى أمراض نفسية في الكبر كالفصام والاكتئاب نتيجة وجود الطفل في بيئة اجتماعية غير متجانسة، وتأخر النمو الذهني عند الأطفال نتيجة انعدام أو ضعف الرعاية التربوية الصحيحة، حيث لا يمكن للأم القاصر أن تقوم بواجبها التربوي تجاه أطفالها. ونتيجة للأسباب آنفة الذكر، فإن زواج القصر يكون أحد العوامل الرئيسية التي تساعد في ظهور مشكلات صحية ونفسية مما يؤدي إلى زيادة الأمراض في الأسرة والمجتمع وبالتالي تشكل عبئاً اقتصادياً على النظام الصحي.
كما تميل مشاعر الزوجة للإحساس بزوجها كوالد أو أب فتختلط مشاعر الأبوة بالمشاعر الزوجية الطبيعية وتقع حالة من الانفصام العاطفي، فالتفاوت في السن يجعل الزوج -أقرب في خيال الزوجة الصغيرة- لصورة الأب الذي هجرت بيته مبكراً بسبب زواجها، وبالتالي حجم التجاوب العاطفي يكون في مستوى غير آمن لعلاقة زوجية يفترض أن تستمر. الدراسات حيال الموقف من تزويج القاصرات والضرر الناجم عن هذا الزواج كثيرة بالتالي ينبغي تفعيل ما جاء فيها حفاظاً على حق الفتيات في العيش وحقهن في حياة آمنة خالية من التهديد والاستغلال.
bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443Twitter: @HudALMoajil