تقدم الدولة كل ما في وسعها من أجل رخاء المواطن وبميزانيات هائلة في السنوات الأخيرة قاربت في ميزانية السنة الحالية التريليون ريال. ولقد شملت رعاية الدولة الفئة الأقل حظاً بسبب تدني مستواها التعليمي أو عدمه أو العجز بسبب الكبر أو المرض، وذلك من خلال برنامج طموح للضمان الاجتماعي يقدم لهذه الفئة من
قبل وزارة الشئون الاجتماعية ووكالتها المختصة في هذا المجال وهي وكالة الوزارة لشئون الضمان الاجتماعي. وفي تاريخ 20-2-1432هـ صدر المرسوم الملكي رقم أ-20 والذي وضع قائمة بالمبالغ التي يدفعها الضمان الاجتماعي للفئات المحتاجة بواقع 862 ريالاً شهرياً للفرد الواحد بمجموع 10340 ريالاً سنوياً. وللأسرة المكونة من ست أفراد ولعل هذا الرقم يمثل متوسط أعداد أفراد الأسرة السعودية، يمنح الضمان الاجتماعي لها مبلغ 2283 ريالاً شهرياً بمجموع سنوي يبلغ 27390 ريالاً سنوياً. ويصرف لآخر القائمة وهي الأسرة المكونة من 15 فرداً، مبلغ 4840 ريالاً شهرياً، بمجموع 58080 سنوياً. ولعل الملاحظ للوهلة لهذه الأرقام يقول ما يتم منحه هو مبالغ جيدة وتساعد الأسر المحتاجة في مواجهة أعباء الحياة الكثيرة. وهذا التصور الأولي لا يُجافي الحقيقة لولا أن جُل هذه المبالغ المصروفة لإعانات الضمان الاجتماعي تذهب في دفع الإيجارات السكنية والتي ترتفع بازدياد وبشكل مضطرد لا يعرف الاستقرار أبدا، بالإضافة إلى الزيادة المتسارعة في أسعار السلع الأساسية. ويؤكد هذا ما صدر من مصلحة الإحصاءات العامة الذي يؤكد بأن السعوديين يفقدون 35% من دخلهم لدراسة وضعت للفترة بين يناير 2007م إلى يناير 2012م. فلكل 10000 ريال خسر السعوديين قوة شرائية تبلغ 3520 ريالاً. كذلك فلقد ارتفعت أسعار إيجارات الشقق السكنية بنسبة 133% مما يجعلها من أعلى النسب العالمية. فالسكن يبتلع ما يقارب من ثلثي دخل الأسر السعودية سواء من الفئات الفقيرة أو متوسطة الدخل.
ومما يزيد من حدة المشكلة هو بأن غالبية السعوديين لا يملكون سكنا، وهناك إحصائيات غير رسمية تقول بأن نسبة السعوديين الذين يملكون سكناً لا تتجاوز 40% من عدد السكان في أفضل الأحوال. وهذا رقم مخيف سيجعل إلى أجل غير محدود أو على الأقل للمستقبل المنظور الأسر السعودية مضطرة لدفع ما يقارب ثلثي دخلها للإيجارات. ولقد فطنت الدولة لهذه المشكلة المستعصية والتي تقوض جهودها التنموية فسعت لحلها والذي شمل إسهامات مشاركة الكثير من أفراد الأسرة الحاكمة الكريمة انطلاقا من حرصها على المشاركة في حل المشاكل التي تواجه المواطن في صورة تؤكد الترابط والتراحم بينها وبين المواطنين وكأن على رأس هذه الإسهامات مشروع مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان التنموي والذي يهدف لتأمين السكن للمواطنين الأكثر احتياجا ولذوي الدخل المنخفض. وأنشئ من خلال هذا المشروع آلاف الوحدات السكنية في عشرين منطقة من مناطق المملكة، ومازال المشروع مستمراً في بناء وحدات سكنية في مناطق جديدة. كذلك مشروع مؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية للإسكان الذي شيد أكثر من 1551 وحدة سكنية مؤثثة وجاهزة للسكن لذوي الدخل المحدود في كل من مكة المكرمة، عسير، تبوك، نجران، حائل، الغاط، الليث والعلا. ومؤسسة الأمير سلطان رحمه الله مازالت مستمرة في إنشاء وحدات سكنية جديدة في مختلف مناطق المملكة.
وفي عام 1413هـ تم تأسيس مؤسسة الأمير سلمان للإسكان الخيري وأُعلن عن مشروع إسكانها الخيري في شهر رمضان 1418هـ الذي يهدف لإنشاء مُجمعات سكنية لاحتضان المحتاجين ومساعدتهم على تنمية قدراتهم للخروج من الفقر.وبمساهمة سخية من الأمير الوليد بن طلال من خلال مؤسسته الخيرية للإسكان التنموي تم تشييد مئات الوحدات السكنية وزعت على المواطنين محدودي الدخل في العديد من مناطق المملكة أهمها ما تم في كل من حائل، الجوف وعرعر. وحكوميا، فلقد فطنت الدولة لمشكلة الإسكان وذلك منذ بدء العمل بالخطط الخمسية في أواسط التسعينات الهجرية فأنشئت صندوق التنمية العقاري الذي أوكلت إليه تقديم قروض بدون فوائد للمواطنين لبناء منازلهم.
وقدم الصندوق منذ إنشائه مئات الآلاف من القروض للمواطنين بمئات المليارات وساعد لحد ما في القضاء علي مشكلة الإسكان، ولكن الزيادة المتسارعة في عدد السكان جعلت حل مشكلة الإسكان عن طريق قروض بنك التنمية العقاري مهمة مستحيلة، حيث أصبح الناس ينظرون في قائمة الصندوق لسنيين طويلة تتجاوز في المتوسط أكثر من عشر سنوات. فقررت الدولة لحل هذه المشكلة بطريقة أكثر فاعلية إنشاء وزارة خاصة للإسكان بميزانية 10 مليارات ريال، تم بعدها ضخ مبلغ 250 مليار ريال لاحقاً بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في شهر ربيع الأول 1432هـ وذلك لبناء خمسمائة ألف وحدة سكنية خلال خمس سنوات. على أن هناك نقداً كبيراً لوزارة الإسكان لبطء تنفيذ هذه المشاريع ويلاحظ هذا النقد فيما تتناوله الصحف المحلية عن هذا الموضوع في تغطيتها للمشاريع المتعثرة والتي أصبحت مشكلة عصية على الحل وتشكل تحدياً حقيقياً لجهود الدولة التنموية. ومن هذه التغطيات الصحفية ما أوردته صحيفة الشرق في تقرير لها عن موقف مشاريع وزارة الإسكان حتى شهر شوال المنصرم في عددها 368 بتاريخ 11 صفر 1434هـ، ويوضع التقرير تعثر 47 مشروعاً من مشاريع وزارة الإسكان في مختلف مناطق المملكة.
وأرجع التقرير أن السبب في تعثر مشاريع الوزارة مرده لقلة خبرة مهندسي الوزارة العاملين في الإدارة الفنية الذي كانت نتيجته تخبط وفيما يبدو تسرع في إرساء المناقصات علي شركات غير مؤهلة لتنفيذها. ويبدو أن ضخامة الميزانية التي قدمت للوزارة لتنفيذ مشاريع الإسكان جعلتها تتسرع في إثبات قدرتها على التنفيذ لتكون نتيجة هذا التسرع تعثرات تحتاج لوقت كبير لتصحيحها ولن تكون الوزارة بالوضع الحالي قادرة على تنفيذ 500 ألف وحدة سكنية التي كلفت بإنشائها خلال الفترة التي منحت لها وهي خمس سنوات. إذاً فما هو الحل لمشكلة الإسكان المزمنة؟ لعل الإجابة الفورية لهذا التساؤل هو بأنه ليس هناك حلاً سحرياً للمشكلة، وفي نفس الوقت فهي مشكلة غير عصيه على الحل، ولعل مشكلة الإسكان المحورية هي إن كل جهة تحاول أن تحلها بمفردها وبتصوراتها فقط. فتقسيم مشاريع الإسكان على عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة هو الحل العملي للمشكلة بعيداً عن محاولة كل جهة الانفراد بالحل لتكون المحصلة النهائية والمنطقية هو تعثر هذه المشاريع.
والجهات الحكومية التي يُمكن أن تساهم بالقضاء على مشكلة الإسكان بالإضافة لوزارة الإسكان متعددة منها وزارة الشئون الاجتماعية بالتعاون مع الجمعيات الخيرية التي تعمل تحت مظلتها والتي يمكنها إقامة العديد من مشاريع الإسكان المملوكة للدولة وتأجيرها على المواطنين ذوى الدخل المحدود والذين يحصلون على إعانات الضمان الاجتماعي وذلك بأسعار رمزية تخصص لأعمال صيانة هذه الوحدات بصفة مستمرة.
وزارة الشئون البلدية والقروية دورها مطلوب وأساسي في القضاء على المشكلة ببناء وحدات سكنية في كل مناطق المملكة في مخططات منح الأراضي، وعوضاَ عن إعطاء أرض لمواطن ليس لديه قدرة على بنائها ،وبنائها هو الحل المنطقي وهو ما تقوم به أغلب بلديات مدن العالم لمواجهة مشاكل السكن، ويمكن للوزارة العمل بنظام التأجير المنتهي بالتمليك في إداراتها لمشاريع الوحدات السكنية التي تنفذها.
ودور بنك التسليف العقاري ذو الخبرة الطويلة الممتدة أساسي في تمويل من لديهم أراضي جاهزة للبناء وسيولة مالية تغطي الفرق بين قيمة القرض المقدم من البنك والقيمة الفعلية للبناء للمضي قدماً لتشييد مساكنهم. ولعل الحلول الآنفة الذكر يمكن تصنيفها بالحلول متوسطة الآجل، ولكن الحل السريع والذي سوف يكون مشاهدا وسيعطي نتيجة سريعة هو إقرار بدل سكن لموظفي الدولة.
ولقد أوردت صحيفة اليوم في عددها 14444 الصادر في 18 صفر 1434هـ وعلى صفحتها الأولي خبر جاء فيه تصريح لمساعد رئيس مجلس الشورى الدكتور فهاد بن معتاد الحمد الذي أفاد بأن مشروع بدل السكن لموظفي الدولة في مراحله الأخيرة بعد أن تمت دراسته. وإذا تم إقرار بدل السكن فأنه سيكون قرراً مفصلياً سيرفع عن كاهل قطيع عريض من المواطنين عبء الاستنزاف المستمر لجُل دخلهم المدفوع للإيجارات.
وحسب تصريح وزير الخدمة المدنية الذي أفاد فيه بأن عدد موظفي الدولة يقارب المليون، وبحسبة بسيطة إذا وضعنا في عين الاعتبار بأن متوسط عدد أفراد الأسرة السعودية مجموعة خمسة أفراد بالوالدين وعلى أقل تقدير، فهذا يعني بأن هناك وعلى الأقل خمسة ملايين فرد سوف يستفيدون من القرار، وهي شريحة واسعة من المواطنين، وسيكون للقرار قيمة مضافة تتمحور في أن القرار سيمكن شريحة واسعة ممن سيشملهم بدل السكن من شراء سكن بالأخذ بالاعتبار التسهيلات المقدمة من البنوك للحصول على قروض لشراء منازل، كذلك فإن القرار سيسهم في تدوير رأس المال في السوق المحلي مما سيساعد حتماً في إحداث إنعاش اقتصادي.
إن القضاء على مشكلة الإسكان سوف يجعل الأسر التي تحصل على إعانات قادرة بشكل أفضل بالاستفادة من الإعانة التي تقدمها لها الدولة لتحييدها من الوقوع في براثن الفقر التي تقوض السلم الاجتماعي وما ينتج عنه من تفشي الجريمة والتفكك الأسري والعديد من المشاكل الاجتماعية التي لا حصر لها. كذلك سيساعد الأسر متوسطة الدخل من الإيفاء بالتزاماتها بشكل لا يضع على كاهلها ضغوط قد لا تجعلها قادرة من الإيفاء بها. وكما هو معروف فإن تلاشي الطبقة المتوسطة في أي مجتمع له عواقب لها أول وليس لها آخر.
Alfal1@ hotmail.comباحث اعلامي