الرجل المسن وهو يغادر المكان.., بعد أن تبضع مؤونة غذائه..,
دس في جيب العامل ذي الوجه الكالح.., والعينين الغائرتين.., ورقة نقدية..!
ما لفت انتباهتها في المشهدِ.. وهي تركن بعربتها في المكان، أن العامل توقف فجأة.., وقد ارتبك..!, وضع الأكياس التي يحملها جوار عربة المسن.. بسرعة فائقة,
أخرج الورقة من جيبه بحركة مفعمة..
أخذ يتفحصها بنهم.., وحيرة.. وفرحة مشوبة بتساؤل!!..
جملة من الانفعالات شدت انتباهها إليه،.. فتابعت المشهد، ليس تطفلاً عليهما..
وإنما كان إكباراً للرجل المسن.., فقد كانت الورقة النقدية التي دسها في جيب العامل، من فئة الخمسمائة ريال..!!
ويا لدهشة العامل..، وفرحته بها.., وشكه في الأمر!!..
إذ أعاد العامل الفقير بأثره مد يده بالورقة الزرقاء للمسن..,
وكأنه يؤكد له عن خطأ ما وقع فيه: إنها خمسمائة، ليست خمسة ريالات سيدي..!؟..
المسن ربت بكلتا يديه على كتف العامل..، ثم ضم إليه كفَّه التي تحمل الخمسمائة..
وهز رأسه: أجل، أجل هي لك..
المشهد كان يفسر هذا بلا كلام..!!
فانكفأ العامل يود تقبيل يدي المسن..,
غير أن هذا سحبها بقوة، وابتسم له بملامحه المشرقة، ووجهه البهي..
ثم بسرعة فائقة.., وكأن قوة عارمة مفاجئة تسربت لمفاصل العامل، أخذ في وضع الأكياس في العربة.., مرتبكاً من هول الدهشة،.. وهو يقبض بشدة على الورقة الزرقاء.. الندية المرضية!!..
ولأن العربة قريبة جداً منها، سمعته يكرر الحمد لله.., الحمد لله.. يا الله..!
وملامحه تقول أكثر وأكثر.., ما لم يقله لسان عن الباذل الكريم..
مضى المسن بعربته..
وهو يوجهها نحو طريق السير.. لاحظت هي بأنها وريثة صبر وكفاح..
إذ لا توحي المركبة بثراء الراكب..
كلاهما مكافحان حد الإحساس بفداحة العمر الذي يمرق، وبحاجة الذي يفنيه..!
لكن المحك: هو أن المال ليس هو الغنى الحقيقي..!
والحقيقة: لا يحس باللسع إلا من يكتوي بالنار.. حين يكون له ضمير، وقلب ينبض بالله..
فنار الفقر حارقة..
غير أن نار الشح أشد إحراقا..!!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855