قبل أيام أعلنت ميزانية العام الجديد 2013م.. وتناولتها الحوارات الرسمية وغير الرسمية, الإعلامية منها والفردية, بالكثير من الاختلاف في وجهات النظر. فبينما عزفت افتتاحيات الصحف المقطوعات المعتادة مشيدة بالتوسع والنماء، اتجه المحللون المتخصصون إلى دراسة بنود الميزانية ومقارنتها والتساؤل عن توازن توزيعها. أما الأفراد فقد جاءت معظم تعليقاتهم في تويتر والفيسبوك متسائلة عن مدى انعكاس الميزانية «التريليونية» -كما صنفتها افتتاحيات الصحف- على حياة المواطن خاصة من فئة الشباب الباحث عن عمل أو المواطن الذي لا يملك منزلاً.
ينتظر الناس الميزانية بتشوق, أو توجس, حسب ما تبدو فيه مؤشرات المستقبل القادم واعدة بظروف تحسن أو ظروف ضاغطة. وبالتأكيد ثمة شيء يشي بالتوازن في الميزانية الجديدة.. وفي الغالب لا تتطرق الميزانية العامة المعلنة إلى تفاصيل بنود الصرف وأبوابها في كل مؤسسة تذكر في الميزانية. ولكن هذه التفاصيل في النهاية هي ما يحدد حكم المواطن على أداء الميزانية في نهاية العام؛ هل كان التوزيع عاقلاً متوازناً متماشياً مع الأولويات, أم كان عشوائياً معنياً بشكليات مظهرية موجهة لتجميل أداء المؤسسة والمشرفين عليها، وليس لأولويات أهم أي رفع ضغوط أزمات حقيقية أثقل وزنا تحمل المؤسسة مسؤولية إيجاد حلول لها. هل تحقق للمواطن تحقيق أولويات احتياجاته؟
أول صفة تميز ميزانية هذا العام عن عن غيرها أن تقديرات الإيرادات 829 مليار ريال وبنود الصرف 820 مليار ريال تكاد تتساوى بفرق فائض 9 مليارات ريال. ومن تابع المقطع المسجل في اجتماع مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يوم إعلان الميزانية، يذكر أن هناك لقطة يسأل فيها الملك وزير المالية د. إبراهيم العساف أين سيذهب الفائض؟ ويجيبه الوزير أنه سيكون في مشاريع الإسكان إن لم تخني ذاكرتي.
لاحقاً في حوار متعلق مع وزير التخطيط والاقتصاد د. محمد الجاسر، في برنامج لقاء الجمعة بقناة روتانا خليجية، أكد الوزير أن 61% من السعوديين يملكون بيوت سكن، مبشراً أن ارتفاع الميزانيات يستبعه ارتفاع رواتب الموظفين. وفيما يخص الوضع الاقتصادي، أضاف: «الحمد لله الخبز ما ارتفع والتعليم مجاني والصحة»، مؤكداً أن قرار وزير العمل برفع رسوم العمال لم يكن قراراً فردياً بل تمت دراسته في التخطيط والاقتصاد.
وتناولت التعليقات في ساحات «التغريد» الإلكتروني فحوى الحوار بكثير من التشكيك في النسبة المذكورة للبيوت المملوكة, متسائلين عن مصدرها وكيف حسبت؛ ولا ألومهم حيث يجد الشباب وهم أكثر من 70 % من المواطنين معاناة مزدوجة أو مضاعفة بين عدم توافر فرص العمل بوظائف مرضية وعدم القدرة على امتلاك سكن للاستقرار العائلي. ولا أشك في مصادر الوزير، ولا في وفائه للحقائق، ولكن الإحصائيات -كما هو معروف لأي خبير في العمل الإحصائي- يمكن أن تضخم حقائقها أو تخفف لتعطي الانطباع المرضي.
هناك أزمة سكن وأزمة مصدر دخل مناسب وأزمة توافر أراض أو مساكن بأسعار معقولة في مناطق مرغوبة مأهولة وقريبة من المراكز الحضارية ومواقع العمل. وفي الحقيقة فالميزانية هي الوسيلة للتوازن بين الواقع والمرغوب فيه الأفضل من الواقع.. أي هي في النهاية سلاح تحقيق مستقبل بلا أزمات.. أو أقل تأزماً من الحاضر.
أتمنى أن مؤسساتنا, وقد رفعت بنود الصرف المتوقعة، وحصلت على مخصصاتها لهذه البنود, لا تنسى أن بين أهم أولوياتها تحقيق رضى المواطن عن خدماتها ومستوى حياته وفتح فرص تجتذبه للعمل وفرص تدريب تساعده على تحقيق النجاح له ولها وللوطن.. وتبقيه مرتبطا بولائه وانتمائه وحسن أدائه للوطن.
وكل عام ونحن والوطن بميزانية خير ونماء، وعلاقة حب وولاء, وانتماء متبادل بين المواطن والمسؤول.
شخصياً أتمنى لهذا الوطن الغالي مؤسسات قلبها ومخبرها على مردود يحقق مستقبل الوطن والمواطن, ويحقق لها ما تتمناه: بقاؤها بمظهر أجمل ووعود تتحقق.