لا أبالغ إذا قلت: إن التوترات الطائفية في العراق، اكتست بصبغة سياسية؛ ليتم تجسيدها على أرض الواقع في لغة الانقسام الحاصل بين السنة، والشيعة. وازداد الأمر سوءاً في عام 2003م، حين كان للتواجد الأمريكي على أرض العراق، دور رئيس في إذكاء المذهبية، وتأجيج الطائفية بين مكونات الشعب العراقي، والعمل على تغذيتها، بمساعدة حواضن داخلية، لها أجندتها الخاصة؛ من أجل إضعاف العراق، والسيطرة عليه. وهذا العامل، هو أسّ المشكلة الطائفية، والمذهبية في العراق.
القضية موضوع النقاش - هنا - خطيرة، لا يمكن إبقاؤها ضمن خانة المسكوت عليه، فعرض الأزمة على أنها هوية طائفية، لن يخدم الدين، أو السياسة، ولن يصب في خدمة الحق الإنساني مطلقاً. - ومثل ذلك - الارتباط سلبياً بالموروثات التاريخية، وغياب ثقافة التعددية الفكرية، - إضافة - إلى وجود أجندات سياسية ضيِّقة، تعمل وفق متطلبات إقليمية، ودولية، - وبالتالي - لن تفلح أي معالجة للطائفية، أو المذهبية، أو حتى تحقيق الاستقرار المجتمعي، والاندماج الوطني في ظل المعطيات السابقة.
لن تعالج الطائفية بطائفية مضادة، ولا المذهبية تعالج بمذهبية مضادة، ولا حل للمشكلتين في إطار «نحن»، أو «هم»، وإلا سنكون كمن استغل هاتين الورقتين؛ لتجميع الأتباع تحت شعارات، وعناوين، بعيداً عن امتلاك رؤية لمشروع وطني للدولة المدنية الحديثة، - إضافة - إلى الكم الهائل من الخسائر المادية، والبشرية التي سنجنيها، والتي - مع الأسف - فاقت التقديرات، والتوقّعات، وباتت تهدد بتبعات سياسية، واجتماعية.
أقصى ما يمكن بلوغه من وجهة نظر كاتب المقال، هو: أن التنوّع بأشكاله المختلفة - المذهبية، والطائفية، والعرقية -، سمة أساسية في تكوين المجتمعات البشرية. ولن يكون هناك استقرار للأوضاع في العراق، إلا بتوافق حقيقي بعيد عن كل ما سبق، ومن ثمَّ العمل على إيجاد العلاج الناجع لها، وإزاحتها عن الطريق، وهذا المعنى أكَّده وزير الخارجية السعودي - الأمير - سعود الفيصل، - ونظيره المصري - محمد كامل عمرو - قبل أيام -، في إجابته عمَّا يمر به العراق من احتجاجات، بأن: «العراق، لن يستتب أمره، حتى يتعامل العراق خارج المذهبية، والتطرف المذهبي». وهو ما يعني باختصار، ضرورة العمل على تحقيق المواطنة الدستورية، والديمقراطية التوافقية؛ من أجل أن يكون إطاراً لمعالجة مثمرة. فإن لم يكن الأمر كذلك، فمن المسؤول - حينئذ - عن تمزّق النسيج المجتمعي العراقي، والدفع باتجاه تفتت البلد؟
drsasq@gmail.com