لماذا يهاجم “بعض” الدعاة وبضراوة ومن خلال خطابهم الديني الإعلام وأهله..؟!
وما سر الهجمات المتتالية التي توجه للإعلاميين وللإعلام من قبل أنصار أصحاب الخطاب الديني السياسي، أو أصحاب الأهداف السياسية الطويلة المتلحفة بعباءة دينية..؟
الحقيقة أن تنازع أو منافسة أي خطاب سواء أكان سياسياً أو دينياً أو حتى فكرياً يقود دائماً للتشكيك في الآخر المنافس أو الكاشف له، وذلك لكسب الساحة والصدارة، وبالتالي كسب الأنصار أو المؤيدين أو التابعين أو المتعاطفين، سمهم ما شئت.
فقد ظل الخطاب الديني في العالم العربي مؤثراً وحاضراً بقوة لدى الجماهير، لذا سيق إلى الساحة السياسية وركب من أجل تحقيق مكاسب دينيوية - إن جاز التعبير- في ظل سعي هذا التيار لتحقيق سيطرة كاملة -دكتاتورية جديدة- على كل السلطات المختلفة، بما فيها السلطة الرابعة- الصحافة.
لا ننسى أن الخطاب الديني- الداعية - الوعاظ - هو صاحب المساحة الأوفر حظاً، والأكثر حرية في التعبير عن أفكاره وطرح اجتهاداته بلا حدود تحت حماية الصبغة الدينية، حتى وإن تناقض معها أحياناً.
والخطاب المقابل، أو الوحيد المؤثر الذي يوجهه اليوم، والذي لا يتواني في الذهاب إلى مناطق الخطاب الديني نفسه وكشف تناقضها هو الإعلام والإعلاميون، من هنا تأتي المحاولات المتكررة -”الغزوات”- من قبل الخطاب الديني العربي لضرب مؤسسات إعلامية مؤثرة، ولها موقف فكري أو سياسي بعيد عن التطرف، وأقرب إلى الحياد والموضوعية والعالمية.
هذا، بالإضافة إلى اعتناء الإعلام بالمدنية والحريات التي تعتبر البيئة الأنسب والأكثر فاعلية لعمله وممارسة سلطته الرابعة في المجتمعات الحديثة، والأقل دعماً لتسلط الخطاب الآخر والاتجاه الفكري أو الأيدلوجي الواحد لدعم التعددية.
من جانب آخر، فقد فشل التيار - الأحزاب الدينية في بناء مؤسسات أو وسائل إعلامية تحقق أي حضور أو نجاح أو تأثير، بسبب إشكاليته في فهم الإعلام، والتفريق بينه وبين الوعظ والتعبئة من جهة، ومن جهة أخرى عدم قدرة الإعلام التابع للتيارات الدينية أو الواقع تحت تأثيرها وتأثير اتجاهاتها السياسية على ممارسة الحياد والموضوعية، التي لم ولن تكن أبداً جزءاً من أدبيته أو مبادئه.
هذا الفشل الذريع في بناء مؤسسات إعلامية تدعم توجهاته وتنشرها، إضافة إلى قوة حضور المؤسسات الإعلامية العربية الراسخة والمتنوعة والتي تنافس في تأثيرها هذا الخطاب الديني-السياسي، جعل الأحزاب الدينية أمام خيار الهجوم والتشويه، أو حتى التفسيق والتشوية، والتحريم، وحتى التكفير إن دعت الحاجة إلى ذلك.
والهدف هو الحد من تأثير وسائل الإعلام والإعلاميين التي تنافس أو قد تكشف بعض الممارسات السياسية غير السوية في الظل، وتهدد السلطة المطلقة للدكتاتورية العربية الجديدة.
في المقابل لا يتوانى أي داعية أو واعظ أو سياسي ينتمي إلى أي تيار أو حزب سياسي من الظهور والمشاركة باستمرار في أي وسيلة إعلامية مؤثرة، حتى وإن كانت قناة للأطفال، وذلك للاستفادة من تأثيرها على الجمهور - وهذا الاعتراف الضمني - يفسر لنا سر هذه الازدواجية.
لذا فإن الهجوم من طرف واحد على الإعلام أمر يتوقع أن يستمر، وإن كان يأخذ في مراحل سابقة غطاء سياسياً، إلا أنه يأتي هذه المرة تحت غطاء سياسي وبعباءة دينية لا تتورع عن التحريم والتكفير لخدمة أهدافه.