الحديث عن المرأة ليس جديدًا في ساحتنا المحليَّة فضلاً عن العربيَّة والعالميَّة، ولكنَّه اليوم أخذ بعدًا آخر جرَّاء اختلاف الزَّمَان وتبدّل الأحوال، وربما أمكن القول إنّه من بؤر الصراع الساخنة بين التيارات المتجاذبة في ساحتنا الفكريَّة وصفحاتنا الثقافيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة.
نعم هناك نظرة دونية متوارثة عند البعْض منَّا لهذا الجنس المكرم عند الله وفي ميزان الأسوياء من الناس.. وفي المقابل يجب التَّنْويه إلا أن هناك من أسرف في المطالبة بحقوق المرأة دون النَّظر إلى شرعيَّة هذه المطالب وملاءمتها لطبيعة التكوين النفسي والجسدي والاجتماعي لجنس النساء على وجه العموم لا التخصيص.. ودون الدخول في دهاليز هذا الموضوع الذي كثيرًا ما طُرق وتَحدّث عنه المُنظِّرون وفصّل فيه المحلِّلون كان من الواجب هنا الإشارة الصريحة والواضحة إلى أنّه جدّ على ساحتنا المحليَّة مسائل فرعية مهمّة حقّها الوقوف عندها والتمعن في أبعادها وآثارها الفرديَّة والمجتمعية لعلَّ آخرها “التفكير الجدي من قبل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انضمام المرأة إلى جهاز الحسبة في المملكة العربيَّة السعوديَّة”.
لقد أعلن معاليه في غضون الأيام القليلة الماضية عن حاجة الرئاسة الماسَّة لإدخال عنصر المرأة في منظومة العاملين في الميدان، الأمر الذي أثار حفيظة البعْض من الكتَّاب فكتبت مثلاً “بدرية البشر” في زاويتها “ربما” يوم الاثنين الماضي عن هذا الخبر مدّعية أن هذا القرار يأتي كنوع من الحصار الذي يلاحق وزير العمل في تطبيقه قرار مجلس الوزراء الذي يكفل للنساء العمل في محال بيع الملابس الداخليَّة النسائية و... وأن هذا التوجُّه من الهيئة جاء ردّة فعل نتيجة عدم ردِّ الوزير على طلب الرئاسة مشاركتها مع العمل في التخطيط لتطبيق القرار، الأمر الذي أجبرهم على أن يجهزوا له فرقًا نسائية تقتحم عليه المحال وتفتشها!!.
إن التفكير بانخراط المرأة في سلك الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ليس جديدًا في أجندة المُنظِّرين والمخطِّطين وصنّاع القرار والمستشارين في هذا الجهاز الرسمي المهم، ولذا فقد تَمَّ في يوم الثلاثاء 21-4-1431 هـ توقيع كرسي علمي متخصص بين الهيئة وجامعة حائل مسماه (أبحاث المرأة وقضايا الحسبة) من وكده وهمه وأولوياته القيام بالأبحاث العلميَّة التي تحدِّد علاقة المرأة بعمل الحسبة “محتسبة ومحتسبًا عليها”.
ومنذ صدر الأمر السامي الكريم بتعيين معالي الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز بن عبد الرحمن رئيسًا عامًا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلع العام الماضي وهذا الموضوع يشغل بال معاليه ويطيل التفكير فيه، ولذا كانت توصيته للهيئة العلميَّة في الكرسي المشار إليه أعلاه (...وجوب المبادرة لدراسة احتساب المرأة “الضوابط والمحددات”).. وبالفعل هذا ما بادرت إليه على ما أعلم الهيئة الإشرافية على الكرسي وأكَّد عليه في ورشة العمل المخصصة لمدارسة الإستراتيجيَّة المستقبلية لهذا المشروع البحثي المهم.
إن كرسي أبحاث المرأة وقضايا الحسبة يركز في أبحاثه -وكما تنص عليه منشورات الكرسي- على دراسة المرأة في المملكة العربيَّة السعوديَّة “محتسبة ومحتسبًا عليها” برؤية علميَّة شرعيَّة وسطية ناضجة وسابرة للواقع وعلى دراية ومعرفة بالتغيِّرات والتبادلات المعاصرة في ظلِّ عصر العولمة الجديد، ويشارك في هذا الجهد العلمي ويشرف عليه حسب علمي أهل دراية وفهم وفقه، ولذا ليس ما قيل صحيحًا من أن هذا التوجُّه هو مُجرَّد ردّة فعل غاضبة لإعراض وزارة العمل عن استجداء الرئاسة لها طالبة مشاركتها في التخطيط من أجل تنفيذ ما قرره مجلس الوزراء!!.
إن المبررات والقرائن والحجج والبراهين التي أوردها المُتخصِّصون المشاركون في ورشة العمل هذه -في ثنايا حديثهم عن أهمية قيام المرأة بالاحتساب المجتمعي المدروس- أكبر بكثير من مُجرَّد ما أشارت إليه الكاتبة بدرية البشر في مقالها المنشور بـ”الحياة “، ومسئولياتها كمحتسبة ربَّما تفوق المهام الملقاة على عاتق الرَّجل وهذا ما ستكشفه الأيام وما سيقرِّره أصحاب القرار في هذا الجهاز الوقائي والعلاجي المهم.. ولا يفوتني هنا أن أذكر بالشكر الجهد البحثي السابق في هذا الموضوع بالذات الذي قامت به طالبات الدِّراسات العليا المتخصِّصات بالدعوة والاحتساب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة وكذا طلاب المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجامعة أم القرى وغيرهم من أهل الاختصاص وحق هذه الأبحاث العميقة والشاملة الإشارة والإشادة والاستفادة منها والرجوع إليه حين المطارحة والنقاش في مثل هذه الموضوعات المجتمعية المهمّة، حفظ الله البلاد والعباد ووقانا شرَّ الفتن ما ظهر منها وما بطن وإلى لقاء والسَّلام.