أثناء تصفحي لجريدتي المفضلة الجزيرة وقراءة ما يطرح فيها من مقالات توقفت في محطة جميلة من محطاتها، وهي محطة الكاتب إبراهيم بن عبد الرحمن التركي الذي طرح عبر محطته الأسبوعية يوم السبت 9 صفر في العدد 14695 سؤالاً وجيهاً معنوناً إياها به وهو:
«منْ كدَّر النهر؟» افتتحه بتساؤل عميق موضحاً مقصده من سؤاله العنواني المميز قائلاً: «لماذا نبدو متأزمين قلقين ضجرين مهمومين بتضخيم السلبيات وإثراء المجالس بما نضيفه إليها مما نعيه حقاً وظناً أو نسمعه مشافهة وتناقلاً موثقاً أو ملفقاً معرضين عن تذاكر إيجابيات لا يخلو منها جمعٌ أو مجتمعٌ؟» وإني لأتساءل معه لماذا؟ مع أن مجتمعنا بفضل الله يحفل بالعديد من الإيجابيات والمظاهر الحسنة والأفعال الطيبة والمبادرات الرائعة، فالمحسنون كُثر والصالحون كثير والمصلحون يتكاثرون وأهل الوفاء في ازدياد والبر مناراته تملأ البلد بفضل الله ومشاريع الخير ما تفتأ متألقة شامخة:
فهذا رجلٌ يعمر مسجداً وتلك امرأة ترعى أيتاماً، وهذا الشاب ينشر خيراً وفتاة تتطوع لرعاية مسكين أو فقير، وولد بار بوالديه وأب يبذل وسعه وطاقته في صلاح أبنائه وأم تضحي وتبذل الغالي في تربية أولادها ورعايتهم، ومعلم يجتهد مخلصاً في أداء الأمانة مربياً ومعلماً وموجهاً طلابه ومعلمة تغرس الفضيلة في نفوس طالباتها ومدير دائرة يسعى في رقي وطنه ورعاية موظفيه وتأدية واجبه على الوجه المطلوب وغيرها كثير يتأسف المرء أن لم يُسلط الضوء على مثل هذه المظاهر الحسنة والسلوكيات الحميدة مقارنة بخلافها، فلا يكاد ينشر في أوساط الناس ومواقعهم ومجالسهم إلا الأخبار السيئة كأخبار القتل والعقوق والفساد والانحراف، وكأن مجتمعنا خلوٌ من كل فضيلة مستنقعٌ لكل رذيلة - والعياذ بالله - مظاهر الوعي وإماراته في مجتمعنا ظاهرة للعيان، ويشهد بها القاصي قبل الداني حتى وإن سعى المتشائمون في تغييبها أو تجاهلها، وغفلوا عن قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - (ويعجبني الفأل) وإنه كلما ابتعد الناس عن سوء الظن ارتقوا بأنفسهم وبمجتمعهم وكلما غفروا زلل المُخطئ وتعاملوا معه تعاملاً شرعياً مناصحة ورفقاً وتذكَّروا أنه بشر ليس معصوماً وأغرقوا زلته في بحر حسناته حينئذٍ يعيشون عيشة هانئة سعيدة وصلُح الخلل واستقام المعوج وتحولت العيوب إلى محاسن، وما أجمل قول كاتبنا القدير (الاستعداء يخلق الأعداء والتسامح والإعراض وصايا هادئة تُقرئ السلام على الجاهلين والمتجاهلين، وقد يتعكر ضوء الشمس لكنه لا يتغير)، فالنفوس فُطِرت على الخير وتحبه وتحيا به وقد تتنازعه الأهواء أو ينزغها الشيطان أو تُعميها الدنيا بزخرفها ولكنها ما تلبث أن تعود.. ما تلبث أن تتراجع.. ما تلبث أن تتوب.. ما تلبث أن تستقيم، ثم تكون أفضل من ذي قبل ورد في الحديث: (إن المؤمن خلق مفتناً تواباً نسياً إذا ذُكِّر ذَكَر)..
فهل نُحيي الايجابيات في مجتمعنا ونسلط الضوء عليها ونُعطر مجالسنا بها ونتعامل مع السلبيات بحكمة ولا نضخمها؟ هو الأمل والرجاء.
عبد الله بن سعد الغانم - تمير - سدير